الاولوية للوضع المعيشي.. برودة غير مسبوقة في انتخابات طرابلس… غسان ريفي

قبل اربع سنوات وفي مثل هذه الايام كانت طرابلس عبارة عن خلية نحل انتخابية، لوائح تتنافس بالبرامج السياسية والانمائية، ماكينات ضخمة تعمل ليل نهار، مهرجانات ولقاءات وزيارات يومية، مفاتيح انتخابية على ابواب مكاتب المرشحين، وصور ويافطات تكاد تغطي سماء المدينة، كل ذلك كان استعدادا للانتخابات في السادس من ايار 2018..

لم يعد لموعد انتخابات ايار 2022 سوى 35 يوما، لكن ذلك وعلى غير عادة لم يحفز طرابلس حتى الان على التفاعل مع هذا الاستحقاق الديمقراطي الذي تغيب عنه المظاهر الانتخابية اليوم، فلا ماكينات ولا مكاتب ولا مهرجانات ولا صور ولا يافطات، حتى ان إعلان اكثرية اللوائح كان ع “السكت” من دون ضجيج شعبي او حضور جماهيري بل كان الاكتفاء بلقاء ضيق او مؤتمر صحافي او مجرد صورة وبيان.

لم تعتد طرابلس على هذا النمط الهادئ في كل انتخاباتها الماضية، ربما يعود ذلك الى الخشية من تأجيل الانتخابات الذي ما يزال مطروحا بقوة، او ربما يحضّر له بدءا بأزمة تصويت المغتربين مرورا بتهديد القضاة بعدم ترؤس لجان القيد، وصولا الى امكانية اضراب القطاع العام والاساتذة الذين هددوا بشعار “لا امتحانات ولا انتخابات”.

لا شك في انه وبعد حصول طرابلس على لقب “عروس الثورة” كان متوقعا ان تكون على موعد مع “تسونامي” انتخابي من المنافسة الشرسة بين القوى السياسية والحزبية والمجموعات الثورية والمدنية، لكن الامور جاءت عكس ذلك، ما جعل البرودة سيدة الموقف.

لا يختلف اثنان على ان الاحباط يخيم على الشارع الطرابلسي بفعل عزوف الرئيس نجيب ميقاتي واعتكاف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، فضلا عن حالة غضب شعبية غير مسبوقة على الاوضاع الاجتماعية والمعيشية القاسية، الامر الذي يؤخر انطلاق المعارك الانتخابية.

ولعل ما زاد الطين بلة هو خيبة الامل الشعبية من الثورة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدار سنتين ونيف لتكون النتيجة انقسام وتشظي وانانيات واتهامات ادت الى ولادة سبع لوائح في دائرة الشمال الثانية لم يعد خبراء الاحصاء يقيمون لها وزنا خصوصا ان هذا التشرذم (بحسب هؤلاء)سيحول دون قدرة اي منها على الوصول الى حاصل انتخابي تخرق به لوائح القوى السياسية.

وما يضاعف من هذا الاحباط، هو هذه الهوة السحيقة القائمة بين الخطاب السياسي للمرشحين وبين هموم الناخبين الذين لا تعنيهم اليوم الجبهات المفتوحة لادانة ر ئيس حزب القوات اللبنانية باغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي او تبرئته، علما ان الادانة صدرت من اعلى مرجع قضائي لبناني وبُنيت على اعترافات وحقائق وادلة دامغة.

وكذلك الامر بالنسبة للهجوم على حزب الله او الغلو اكثر باتجاه الحديث عن الاحتلال الايراني او الاتهام بالعمالة للسفارات، كما ملّ الناخبون من اسطوانة الشعارات المستهلكة من السيادة والحرية والاستقلال الى مكافحة الفساد ومحاربة الهدر، واستقلالية القضاء واعتماد لغة نحن وهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، ورفع الحرمان والاهمال ومعالجة البطالة، خصوصا ان كل هذه الشعارات كانت ضيفا دائما على البرامج الانتخابية ولم يتحقق منها شيئا على مدار عقود، بل على العكس فإن الامور جاءت عكسية وترجمت بالانهيار الكامل الذي ضاعف من معاناة طرابلس.

يقول بعض الخبراء: إن الوضع الاجتماعي هو الناخب الاكبر اليوم، وان المواطنين الغارقين في مآسي التفتيش عن لقمة العيش وساعة التغذية الكهربائية وقارورة الغاز والبنزين والمازوت والاستشفاء وغير ذلك من مستلزمات الحياة، وكذلك الخائفين على مصير اموالهم في المصارف، لم تعد تعنيهم كل الخلافات السياسية وتجاذباتها وشعاراتها، بل ان الاولوية والافضلية لديهم ستكون الى من يتحدث لغتهم ويتحسس وجعهم ويطرح الحلول لازماتهم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal