ميقاتي على ثوابته.. لا صفقة ولا مقايضة على حساب إستقلالية القضاء!… غسان ريفي

كلما إزداد إهتمام المجتمع الدولي بلبنان لاخراجه من أزماته وإنقاذ شعبه من المآسي التي يرزح تحت وطأتها، كلما تنامت الخلافات السياسية الداخلية وتشابكت الملفات بفعل الابتعاد عن الدستور الذي من شأنه أن يساهم في الانتظام العام بمؤسسات الدولة.

ففي الوقت الذي كان فيه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يستكمل برنامج زيارته الى لبنان والهادفة الى تعزيز الدعم والاحتضان له ولشعبه، إتجه الوضع السياسي الداخلي نحو مزيد من التأزم، على خلفية الصفقة التي تم الحديث عنها وتهدف الى مقايضة قرار المجلس الدستوري حول الطعن المقدم من التيار الوطني الحر بالتعديلات التي أدخلها مجلس النواب على القانون الانتخابي لا سيما بند إقتراع المغتربين، بإيجاد مخرج لقضية المحقق العدلي في إنفجار مرفأ بيروت طارق البيطار يقضي بازاحته بعد إقالة القيمين على السلطة القضائية وتعيين بدائل عنهم.

لم يكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي يخرج من لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وإبلاغه الصحافيين بحدّة بأن “الحكومة غير معنية بما يحصل”، حتى توالت التحليلات والاجتهادات والتكهنات والشائعات التي رسمت سيناريوهات حول ما جرى خلال اللقاء، والسبب الذي دفع الرئيس ميقاتي الى الخروج غاضبا، فيما سارع بعض المتضررين من وجود الحكومة الى التكهن بأن غضب ميقاتي سيؤدي الى إستقالة سيقدمها مساء الى رئيس الجمهورية ميشال عون، ما أدى الى حالة من التوتر سادت البلاد وإنعكست على الأسواق المالية حيث شهد سعر صرف الدولار الأميركي إرتفاعا، قبل أن تتوضح الصورة وتؤكد بأن إستقالة الحكومة غير واردة في ظل الظروف الحالية.

بدا واضحا أن ميقاتي يرفض أي نوع من المقايضة من المجلس الدستوري الى القضاء الى إنعقاد إجتماعات الحكومة، وهو سبق وأكد ذلك، بأن “لا للتدخل السياسي في عمل السلطة القضائية التي عليها أن ينقي نفسها بنفسها”، وبالدعوة الى “فصل الملفات واللجوء الى الدستور”.

وإنسجاما مع هذا الموقف، وتلافيا لأي إلتباس قد يحصل، فقد أبلغ ميقاتي الرئيسين عون وبري بأنه يرفض أي صفقة أو تسوية على حساب مؤسسات الدولة أو على حساب إستقلالية القضاء، أو مقايضة إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء بضرب هذه المؤسسات وإضعاف موقف لبنان أمام المجتمع الدولي المهتم جدا بقضية مرفأ بيروت وبإيصال أهالي الضحايا الى حقوقهم في معرفة الحقيقة.

ربما كان غضب الرئيس ميقاتي محقا، ففي الوقت الذي يتحمل فيه وزر تعطيل حكومته، ويحاول عبر الاجتماعات الوزارية تسيير شؤون الدولة والناس، عبر تحضير ملفات التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإستعادة ثقة المجتمع الدولي، وإعادة وصل ما إنقطع مع الدول العربية، وتأمين المساعدات الاجتماعية للقطاع العام، وتنظيم المساعدات للعائلات الأكثر فقرا، والتحضير للبطاقة التمويلية، ومتابعة ملفات التهريب والكهرباء والغاز المصري والتلاعب بالأسعار، والأمن المتفلت وترسيم الحدود البحرية، فضلا عن جنون الدولار وأموال المودعين، يجد نفسه أمام صفقة سياسية مشبوهة لا تتماشى مع قناعاته ومبادئه بعدم التدخل في القضاء والحفاظ عليه كسلطة مستقلة، كما من شأنها أن تُسقط الدولة اللبنانية في نظر المجتمع الدولي، في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان الى إستقلالية السلطة القضائية والى ثقة هذا المجتمع ودعمه وإحتضانه والذي بذل ميقاتي مجهودا كبيرا لتثبيته وتكريسه من فرنسا مرورا بغلاسكو وصولا الى الفاتيكان.

هذا الواقع يجعل إستمرار الرئيس ميقاتي في مهامه أكثر من ضرورة لكل الأطراف السياسية في لبنان، لأن الاستقالة في حال حصولها من شأنها أن تنسف كل الاستحقاقات من التفاوض مع صندوق النقد الى الانتخابات النيابية، فضلا عما يمكن أن تحدثه من فوضى إجتماعية قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal