حسابات الربح والخسارة في التسوية الحكومية… عبد الكافي الصمد

بانقضاء اليوم يكون قد مرّ 212 يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة منذ 24 أيار الماضي، وهي المهلة الزمنية التي استغرقت لتنضج الطبخة الحكومية على الصيغة التي رست عليها، بعد تسويات إقليمية إنعكست على السّاحة اللبنانية، وأثمرت ترقباً لصعود الدخان الأبيض من قصر بعبدا، بين ساعة وأخرى، إيذاناً بالولادة العتيدة لحكومة الحريري الثالثة.

ولادة حكومة العهد الثانية، والأولى بعد إنتخابات نيابية جرت للمرة الأولى في لبنان على أساس النسبية والصوت التفضيلي، كشفت عن رابحين وخاسرين في ضوء التشكيلة الحكومية التي أضحت ملامحها وخطوطها العريضة واضحة على نحو شبه كلّي، مع تسجيل مفارقة لافتة وهي أن أغلب الفرقاء السياسيين المشاركين في الحكومة قد ربحوا من جهة وخسروا من جهة أخرى، لأن قاعدة ″التوافق″ التي تحكم تأليف الحكومات وتشكيل السلطة في لبنان تقوم غالباً على الشعار اللبناني الشهير ″لا غالب ولا مغلوب″.

ووفق حسابات الربح والخسارة لكلّ فريق سياسي، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

أولاً: رئيس الجمهورية والتيّار الوطني الحر. سجّل الرئيس ميشال عون ربحاً معنوياً يُسجّل له، بتنازله عن المقعد السنّي الذي من حصّته، إفساحاً في المجال أمام مشاركة اللقاء التشاوري في الحكومة، ما جعل شعار بي الكل الذي رفعه يطبّقه على أرض الواقع، إذ لولا تنازله لما تجاوزت الحكومة العقدة السنّية التي اعترضتها.

لكن هذا الربح لم ينسحب على التيار البرتقالي، وتحديداً رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، الذي سعى بطريقة أو بأخرى الحصول على الثلث الضامن أو المعطل في الحكومة، أي الثلث زائداً واحداً، بحصوله على 11 وزيراً في الحكومة تمكّنه من وضع يده عليها وجعله اللاعب والمؤثر الأساسي فيها، لحسابات وأهداف تتعلق باستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة التي يطمح إليها، لكن رفض القوى السياسية الأخرى وبشراسة أحياناً لهذا المسعى جعلها تعمل، كل على طريقتها، للحؤول دون وصول باسيل إلى مبتغاه، ودفعه ليكتفي بنهاية المطاف بحصّة التيار الوطني الحرّ، وهي 7 وزراء، يضاف إليهم حصّة رئيس الجمهورية وهي 3 وزراء، ما أبقى التوازن السياسي قائماً في الحكومة.

ثانياً: الحريري وتيار المستقبل. منذ صدور نتائج الإنتحابات النيابية أدرك الحريري، أن خسارته فيها، وتراجع عدد نوّاب كتلته الزرقاء من 33 نائب إلى 20، سيترجم بشكل أو بآخر في تشكيلة الحكومة. وبرغم مكابرة الحريري وتياره هذا الأمر، فإنه لم يستطع القفز فوق هذه النتائج، فكانت الحصيلة أن الآحادية السنّية التي تفرّد بها منذ عام 2005 قد كسرت لأول مرة، بعدما تنازل الحريري عن مقعدين سنّيين: الأول للرئيس نجيب ميقاتي والثاني للقاء التشاوري، ونزول عدد وزرائه في الحكومة الجديدة إلى 5 (4 سنّة وواحد مسيحي)، بعدما كانوا بالحكومة المستقيلة 7، (5 سنّة ومسيحيين).

لكن التعويض الجزئي الوحيد الذي سجله الحريري وتيّاره، وجعلهما يحسبانه إنتصاراً لهما، هو تمكّن الحريري من منع أحد نواب اللقاء التشاوري من المشاركة في الحكومة وفق مطلبهم، وأن يتمثلوا بمن ينوب عنهم في الحكومة، برغم أن الحريري أعلن عن رفضه النهائي مشاركة اللقاء التشاروي في الحكومة، سواء عبر أحد نوابه أو من ينوب عنه، سواء من حصته أو من حصّة أي طرف آخر، ووصل رفضه إلى حد تلويحه بتقديم إعتذاره عن تشكيل الحكومة إذا فرض عليه ذلك، قبل أن يتراجع ويقبل بالتسوية التي أبرمت.

ثالثاً: اللقاء التشاوري. إستطاع اللقاء التشاوري للنوّاب السنّة الستّة بعد أكثر من شهر ونصف من تعطيله تأليف الحكومة، أن يُسجّل إنتصاراً بدخوله الحكومة عبر ممثل له، برغم معارضة الحريري الكبيرة لمسعاه، وفرض نفسه كطرف في المعادلة السياسية والحكومية ضمن نطاق الطائفة السنّية لم يعد ممكناً تجاوزه بسهولة في أي إستحقاق مقبل يخصّ الطائفة، بالرغم ممّا شاب تسمية من ينوب عنه في الحكومة من إرباك.

رابعاً:  الرئيس نجيب ميقاتي. يسجل لرئيس الحكومة السابق نجاحه بدخوله الحكومة ومشاركته الحريري في حصّة الطائفة السنّية، وهو دخول يأتي نتيجة الإنتخابات النيابية التي جعلت ميقاتي رئيساً لكتلة نيابية من 4 نواب، وبعدما حصد أصواتاً تفضيلية جعلته الأول على مستوى النوّاب السنّة، وبات من الصعب تجاوزه.

خامساً: حزب الكتائب والحزب السوري القومي الإجتماعي. برغم أنه “حزب السلطة” كما أطلق عليه منذ نشأته، فإن حزب الكتائب يغيب عن تشكيلة الحكومة المقبلة، بعدما لم يستطع حصد أكثر من 3 نواب في الإنتخابات، وبعدما لم يجد حليفاً يتمسك به لدخول الحكومة.

أما الحزب القومي فإنه حصد أيضاً 3 نواب في الإنتخابات، وهو أيضاً يغيب لأول مرّة عن التشكيلة الحكومية منذ اتفاق الطائف، بسبب الكباش السياسي والطائفي الواسع حول الحقائب الوزارية، والتي كانت سبباً إضافياً في استبعاد القوميين.


مواضيع ذات صلة:

  1. سجال كرامي ـ المستقبل.. يُجهض مساعي حلّ العقدة السنّية… عبد الكافي الصمد

  2. عقدة باسيل تؤخّر تأليف الحكومة: 11 وزيراً؟… عبد الكافي الصمد

  3. الحكومة والعقدة السنّية: تأزيم وتصعيد وأفقٌ مسدود… عبد الكافي الصمد


Post Author: SafirAlChamal