هل وصلت رسائل عون الى الحريري؟… عبد الكافي الصمد

أكثر من رسالة بعث بها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مؤخراً، مباشرة أو بشكل غير مباشر، أبدى فيها ملاحظاته واستياءه من تأخره في تشكيل حكومته، ومبدياً رأيه في طروحات التشكيل المختلفة.

إحدى هذه الرسائل، المباشرة، كانت التي بعث بها عون الى الحريري في احتفال عيد الجيش في الأول من آب الجاري، عندما أكد في كلمة ألقاها بالمناسبة عزمه على أن ″تكون الحكومة العتيدة جامعة للمكونات اللبنانية، دون تهميش أي مكون، أو إلغاء دوره، ودون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف″، مشدداً على ″ألا تكون فيها الغلبة لفريق على آخر، وألا تحقق مصلحة طرف واحد يستأثر بالقرار أو يعطل مسيرة الدولة″.

رسالة عون هذه إلى الحريري لا تحتمل كثيراً من التأويل والتفسير، بل كانت واضحة جداً، ولم يكن ينقصها إلا أن يُسمّي عون الأشياء بأسمائها، لكنه فضّل التلميح إليها، من باب أن الإشارات التي تضمنتها لا تحمل أي غموض أو إلتباس.

فعندما يُعلن عون رفضه تهميش أيّ مكون أو إلغاء دوره في الحكومة العتيدة المنتظرة، ورفضه احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف، فإنه بذلك يوجه رسالة مزدوجة إلى كل من الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب السابق وليد جنبلاط، مفادها أنه يرفض أن يحتكرا تمثيل الطائفتين السنّية والدرزية في الحكومة المقبلة، وأنه ينوي إعطاء قوى سنّية ودرزية خارج دائرة نفوذ الحريري وجنبلاط تمثيلاً فيها، يتناسب مع ما أفرزته الإنتخابات النيابية الأخيرة من نتائج.

ثاني هذه الرسائل، وهي غير مباشرة، تعتبر الأخطر بالنسبة للحريري، وتهدد تكليفه تأليف الحكومة، وهي جاءت على لسان نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، الذي أوضح أنه ينوي أن ينصح رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي تتضمن شرحاً للأسباب الموجبة لإعفاء الحريري، وسحب التكليف منه، كمثل أن الإستشارات النيابية الملزمة سمّت الحريري، وهذا يتفق مع رغبته، لكن الحكومة لم تؤلف، ويدعو في الرسالة المجلس النيابي لاتخاذ ما يلزم، وأن يتحمّل مسؤولياته.

هذه الرسالة تأتي ترجمة لأجواء سياسية مقربة من عون عبّرت عن عدم رضاها على تأخر تأليف الحكومة حتى الآن، لأن هذا التأخير يأكل من رصيد العهد، وهو أمر ليس مقبولاً عنده، ولذلك لن يقف مكتوف اليدين وهو يرى الرئيس المكلف مكبلاً بقيود داخلية وخارجية تمنعه من تأليف الحكومة، كما أن الدستور بالمقابل لا يعطي رئيس الحكومة المكلف مهلة زمنية للتأليف، ما دفع عون وفريقه السياسي إلى البحث عن مخارج للأزمة كان ما طرحه الفرزلي إحداها.

بالطبع هكذا ″رسالة″ سينظر إليها على أنها غير دستورية، لكنها ستثير غباراً سياسياً كثيفاً، وستحدث سجالات سياسية وقانونية ودستورية، كما ستضع الرئيس المكلف تحت ضغط إضافي، ما سيدفعه إلى حثّ الخطى من أجل الإسراع في تأليف الحكومة أو أن يعتذر عن التأليف.

تطوّر الوضع على هذا النحو، ومضي الوقت دون تأليف الحكومة سيجعل الطوق حول الحريري يشتد، خصوصاً أنه بدأ يفقد تدريجياً حلفاءه واحداً تلو الآخر، من رفاق دربه في فريق 14 آذار، وخصوصاً القوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي وحزب الكتائب، إلى حليفه الجديد التيار الوطني الحر، إضافة إلى أحد قطبي الثنائي الشيعي المتمثل بالرئيس نبيه بري، فضلاً عن جميع المكوّنات السياسية السنّية خارج تيار المستقبل التي ناصبها العداء مجاناً، ما سيجعل الحريري يبدو وحيداً في مواجهة مصيره السياسي.

مواضيع ذات صلة:

  1. الحريري وتشكيل الحكومة: تفاؤلٌ في غير محلّه… عبد الكافي الصمد

  2. التكتل الوطني في الضنّية: رسائل سياسية في أكثر من اتجاه… عبد الكافي الصمد

  3. حكومة الحريري ومعيار القوّات: نسب التصويت لا عدد النوّاب… عبد الكافي الصمد

Post Author: SafirAlChamal