شكّلت تغريدة النائب اللواء جميل السّيد، أمس، الشغل الشاغل للأوساط السّياسية اللبنانية، بعدما قال علناً بعض ما يُقال ويُهمس به في السّرّ، عندما دعا إلى ″إسقاط″ تكليف الرئيس سعد الحريري لتأليف لحكومة، وتكليف شخصية غيره لتأليفها، متهماً رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ″باحتجاز″ الحريري ″بدعم سعودي″، و″عرقلة″ تأليفه للحكومة.
ففي تلك التغريدة قال السّيد: ″سابقاً فشل جعجع بإحتجاز الحريري بالسعودية لإسقاط الحكومة. اليوم نجح جعجع وجنبلاط بدعم سعودي بإحتجازه في لبنان لعرقلة الحكومة. إلى متى الإحتجاز الثاني؟ الأغلبية معنا، ربما عريضة موقعة من 65 نائب عبر المجلس النيابي إلى رئيس الجمهورية ليسقط تكليف الحريري كأنه لم يكن، والبدلاء كثيرون″.
الرسائل السّياسية المُشفّرة العديدة التي حملتها تغريدة السيد إستوقفت كثيرين، وهي بالتأكيد ستثير ردود فعل مختلفة، لأن أبرز ما فيها أن ″بديل″ الحريري جاهز إذا فشل بتأليف الحكومة. فهل وصل الوضع إلى هذا الحدّ، أم أن تلويح السيد بتكليف شخصية سوى الحريري هو لممارسة ضغوط عليه لكي يُسرّع عملية التأليف، وتهديد المعرقلين بأن ″فريقه″ السياسي، الذي يملك الأكثرية النيابية، يملك أكثر من ورقة بديلة إذا استمر في العرقلة ورفع سقوف شروطه؟.
حتى الآن، لا يسود إنطباعٌ بأن الوضع وصل إلى هذه الدرجة، فالحريري بالكاد تجاوز شهراً على تكليفه تأليف الحكومة في 24 أيار الماضي، وهو ما يزال يملك وقتاً مريحاً لتأليفها، لكن إسترخاءه والبطء الذي يتصف به مسعاه لذلك، وهو بطء إنتقده عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، جعلت شكوكاً كثيرة تبدأ بالظهور تدور حول عدم قدرته على ذلك، وأن العقبات التي تعترضه، داخلياً وخارجياً، لا يبدو قادراً على القفز فوقها.
ومع أن السّيد لوّح بتوقيع عريضة من 65 نائب ترفع من مجلس النواب إلى رئاسة الجمهورية لإسقاط تكليف الحريري، فإنه يدرك قبل سواه أن هكذا أمر غير ممكن أن يحصل في لبنان نتيجة الإصطفافات السياسية والطائفية والمذهبية الحادة فيه، وأن البلد غير قادر على تحمّل عواقبها بسبب هشاشة وضعه الداخلي، لكن مجرد التلويح بمثل هكذا عريضة يعني أن على الحريري إما الإسراع في تأليف الحكومة، وقطع الطريق على المشككين به والمعرقلين له، أو اعتذاره عن عدم تأليفها.
الإعتذار عن تأليف الحكومة ليس أمراً غريباً ولا طارئاً على تجربة الحريري السياسية. فبعد إنتخابات 7 حزيران 2009 النيابية، كلّف رئيس الجمهورية حينها ميشال سليمان، إستناداً إلى إستشارات نيابية ملزمة أجراها، الحريري تأليف الحكومة، في 27 حزيران من العام نفسه، بعدما سمّاه 86 نائب لهذه الغاية، لكنه اعتذر عن تأليفها في 10 أيلول 2009، بعد مرور 73 يوماً على تكليفه، بسبب ″عراقيل″ واجهها في طريقه، ما دفع سليمان لإجراء إستشارات نيابية ملزمة أخرى، في 16 أيلول، أفضت أيضاً إلى تسمية الحريري، إنما بأصوات 73 نائب هذه المرة، ساعدته بعد قرابة 3 أشهر ـ في 12 كانون الأول 2009 ـ في تأليفه باكورة حكوماته.
لكن الحريري يُدرك أن اعتذاره هذه المرّة عن التأليف لا يضمن له إعادة تكليفه مرة ثانية تشكيلها، على غرار عام 2009، لأن الوضع السياسي العام، في لبنان والمنطقة، لم يعد على حاله، والأغلبية النيابية التي امتلكها فريقه السياسي، 14 آذار، بعد انتخابات 2009، خسرها اليوم لمصلحة خصومه، ولعل أبرز خسارة تلقاها الحريري بانتخابات 6 أيّار أن نوّاباً سنّة خارج خيمة التيار الأزرق (10 نوّاب من أصل 27)، لهم حيثيتهم السياسية والشعبية، بينهم أكثر من مرشح وطامح ومؤهل يتطلع للوصول إلى السراي الحكومي، ويشكّلون تهديداً حقيقياً لزعامة الحريري السنّية وموقعه السّياسي.
مواضيع ذات صلة:
-
الحريري ومعارضيه السّنّة: واقعَين صعبَين بانتظاره… عبد الكافي الصمد
-
الحريري وتأليف الحكومة: التأخير ليس لصالحه… عبد الكافي الصمد
-
تعقيدات داخلية وخارجية تؤخر ولادة الحكومة… عبد الكافي الصمد