أبو عربي .. الحاضر الأكبر في التبانة… غسان ريفي

بالرغم من مرور 32 عاما على إغتياله، ما يزال الشهيد خليل عكاوي (أبو عربي) الحاضر الأكبر في التبانة بطرابلس، بعدما ترك بصمات نضالية في تلك المنطقة المهمشة التي يعيش أبناؤها على ذكراه ويتغنون بمآثره ونضالاته وتضحياته في سبيل التبانة وأهلها، وهو الذي رفض مغادرة المنطقة بعد حرب طرابلس عام 1985 والتي نتج عنها إنهاء سيطرة ″حركة التوحيد الاسلامي″ وعودة الجيش السوري والأحزاب الموالية لسوريا الى المدينة.

لا يوجد شارع أو جدار في التبانة إلا ويحمل صورة أو شعارا أو قولا لـ ″أبي عربي″، كما لا يوجد شابا إلا ويمني النفس في خلافته أو التشبه به، خصوصا في الأيام العجاف التي عاشتها المنطقة في ظل جولات العنف وإنتشار قادة المحاور والقادة الميدانيين الذين حاول كل منهم تجسيد أو تقليد شخصية أبو عربي.

يمكن القول أن فعل الوفاء بقي راسخا في التبانة للشهيد خليل عكاوي الذي يسرد الكبار حكايته على مسامع الأجيال، لجهة تواضعه ودماثة خلقه، وعزة نفسه، وعنفوانه وشجاعته وإقدامه، وشخصيته القيادية، ونظافة كفه.. ذاك القائد العسكري الذي كان يحمل السلاح نهارا دفاعا عن الأرض والعرض، ويجول ليلا على منازل الفقراء والمحتاجين لتفقد أحوالهم، والزعيم الميداني الذي لم يغره المال، فبقي زاهدا في الدنيا الى أن إرتقى شهيدا.

تسلم أبو عربي مقاليد القيادة في التبانة، بعد مقتل شقيقه الأكبر علي عكاوي، وسرعان ما شارك في معارك طرابلس ـ زغرتا، وقاتل مع مجموعاته المسلحة في الجنوب اللبناني، ثم إقترب من اليسار اللبناني وخاض معارك معه في كثير من المناطق والجبهات، قبل أن يلتحق رسيما بالحزب الشيوعي.

في نهاية السبعينيات من القرن الماضي شكل أبو عربي حركة المقاومة الشعبية مع عدد من القيادات التي كانت حوله وتحمل فكرا يساريا وكان لها تأثيرا كبيرا في التبانة، لكنهم شيئا فشيئا بدأوا يتجهون نحو الالتزام الديني، ومن أبرز هؤلاء: بلال مطر، عزيز علوش، محمود الأسود، خضر ملص، فايز العموري، سمير الحسن، أحمد النعماني، أبو جمال الأندوري  وغيرهم، كما إعتمد على عدد من المثقفين الثوريين في لبنان في مهام التثقيف السياسي للمجموعات المنضوية ضمن حركته التي سطع نجمها بين عامي 1979 و1982.

مع تأسيس حركة التوحيد الاسلامي أوقف أبو عربي العمل بصيغة المقاومة الشعبية وانضوى في صفوف التوحيد بامرة الشيخ سعيد شعبان، كما فعل كنعان ناجي الذي جمّد تنظيم جند الله، والشهيد عصمت مراد بتجميده ايضا حركة لبنان العربي، إلا أن أبو عربي عاد وإستأنف نشاطه التنظيمي ضمن اللقاء الإسلامي في طرابلس تحت اسم لجان المساجد والأحياء، وذلك بعد معركة إخراج ياسر عرفات من طرابلس في العام 1983 في ما عرف آنذاك بـحرب أبو عمار، وبقي كذلك حتى معركة عام 1985 الفاصلة.

بعد دخول الجيش السوري الى طرابلس ناضل أبو عربي سلميا من أجل منع دخول الجيش السوري الى الأحياء الداخلية في التبانة، وذلك حتى إستشهاده بتاريخ 9 شباط 1986 حيث تعرض لكمين مسلح في محلة باب الحديد، خلال عودته من إجتماع في أبي سمراء ضم قيادات من “التوحيد” وضباط من المخابرات السورية، لتخسر التبانة قائدها.

بعد اغتيال أبو عربي ضاع القرار في باب التبانة وضعفت القيادة، وهو ما سمح لاحقاً بدخول الجيش السوري الى الأحياء الداخلية للمنطقة بالتزامن مع المجزرة الشهيرة التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء التبانة، لتعيش هذه المنطقة حرمانا وفقرا وقهرا إمتد لعقدين من الزمن، الى أن إستخدمت مجددا بجولات عنف عبثية، إنتهت مع إطلاق الخطة الأمنية وإدخال أكثرية الذين حملوا السلاح الى السجون.

يؤكد أحد رفاق درب أبو عربي أن قائدا شعبيا من طرازه لا يمكن أن يتكرر سواء على مستوى الشخصية والشعبية والـكاريزما، لافتا النظر الى أن شخصية أبو عربي ما تزال تغري أبناء التبانة لا سيما أولئك الذين عاشوا حقبته أو تربوا على يديه أو سمعوا بسيرته التي ستبقى نموذجا لكل من يريد النضال.

Post Author: SafirAlChamal