توحي أجواء التصعيد والتشنّج السياسي والتراشق الإعلامي القائم في البلاد أنها ليست عابرة ولا عفوية، وأنها ليست نابعة من فراغ، بل ثمّة قوى سياسية مختلفة تخطط لأمر ما تبذل جهدها كي لا تكشف عنه، لكنه يختبىء في الكثير من الملامح والمؤشرات.
فبعد ″النصر″ الذي حققه لبنان على الإرهابيين، من جبهة النصرة وتنظيم داعش، في جرود البقاع بعد دحرهم وطردهم منها، وبدلاً من إغتنام الإنجاز الذي تحقق بعد سنين من ″احتلال″ الإرهابيين لأراض لبنانية وخطفهم جنوداً وقتلهم بعضهم، ضاع كل ما تحقق في بحر ″التناحر″ السياسي اللبناني.
فمنذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في الربع الأخير من العام الماضي، وإثر عودة الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي الكبير، وبعد التوافق على قانون إنتخابي جديد، وأخيراً إنجاز سلسلة الرتب والرواتب قبل تحرير جرود البقاع في عرسال ورأس بعلبك والقاع، ظنّ كثيرون للوهلة الأولى أن ″شهر عسل″ سياسي سينعم به اللبنانيون في الأشهر المقبلة، نتيجة توافق قياداتهم على قضايا شائكة كانت موضع خلاف كبير بينهم في السابق، وضعت البلاد على حافة الهاوية.
غير أنه قبل أن تضع حرب تحرير جرود لبنان الشرقية أوزارها، إندلع تراشق إعلامي قاس بين وزراء ونواب حزب الله وحلفائه من جهة (النائب نواف الموسوي كمثال)، وبين وزراء ونواب تيار المستقبل وحلفائه من جهة أخرى (وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كمثال مقابل)، وصل إلى حدّ التخوين وفتح الدفاتر القديمة، التي ظنّ البعض أنها وُضعت جانباً بفعل جلسات الحوار الأسبوعية، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بين الحزب الأصفر والتيار الأزرق، فإذا بها تطفو على السطح دفعة واحدة، وتنذر بتداعيات خطيرة قد تطيح بأجواء التوافق السياسي الهشّ، وبالإنجاز العسكري الذي تحقق في جرود البقاع.
وترافق كل ذلك مع “رسالة” بالغة الدلالة وجهها رئيس مجلس النواب عندما حذر من يعمل على تطيير الإنتخابات النيابية المقبلة، ربيع عام 2018، من غير أن يسميه، بأن “إنقلاباً” ينتظره، من غير أن يشرح المزيد، إلا أن الرسالة حملت أبعاداً خطيرة.
غير أن مؤشرات وتسريبات متعدّدة المصادر تقاطعت على أن الأيام المقبلة سوف تشهد تطورات بالغة الأهمية، لعل أبرزها أن تيار المستقبل، وبدرجة أقل التيار الوطني الحر، وجدا نفسيهما أكثر الأطراف تضرّراً من قانون الإنتخابات النيابية الجديد، وأن احتمال تأجيلها مجدّداً واردة لديهما، لأن كل طرف منهما سيخسر قرابة نصف عدد نوابه الحاليين، فعملا على طرح فكرة ″تعديل″ القانون، والتمهل عمداً بإنجاز الترتيبات اللوجستية التحضيرية التي تسبق عادة كل إنتخابات، وخصوصاً بما يتعلق بالبطاقة الإنتخابية الجديدة(الممغنطة) التي نصّ عليها القانون، إضافة إلى تفاصيل أخرى تتضمنه.
الردّ على هذه الأفكار لدى التيّارين، الأزرق والبرتقالي، جاءت على شكل تصعيد سياسي مقابل من قوى 8 آذار، يفيد أن أي لعب أو تهرّب ما من الإستحقاقات المقبلة، وتحديداً الإنتخابات النيابية، سوف يسبقها إسقاط حكومة الحريري حسب سيناريوهات عدة تدرس بعناية ودقة، والإتيان بحكومة جديدة تشرف على إجراء الإنتخابات وفق القانون الإنتخابي الجديد.
وما يثير المخاوف أكثر في ضوء التصعيد السياسي والإعلامي المرتفع السقف في الأيام الأخيرة، أن أحداً من فريق معين هدد بـ7 أيار جديد وأشدّ، فيأتيه الرد من فريق آخر يتوعده بيوم غضب لا يقل شدّة.