كيف يمكن للحريري أن ″يقعد عاقل″ بنظر جعجع؟.. غسان ريفي

لم يكن ينقص رئيس الحكومة سعد الحريري، إلا سمير جعجع، في أن يشترط عليه بأن ″يقعد عاقل″ لكي يتحالف معه في الانتخابات النيابية المقبلة، الأمر الذي أظهر عمق الأزمة المتعددة الجوانب التي يعيشها الحريري لدرجة وصلت الى حدود التطاول عليه من قبل من يفترض بهم أنهم حلفاءه.

كلام جعجع وإن كان على سبيل المزاح، إلا أنه يخفي في مضمونه إساءة شخصية للرئيس الحريري، وإساءة أكبر الى مقام رئاسة الحكومة الذي يشغله ويمثل من خلاله طائفة بأكملها، خصوصا أن الزيارة كانت رسمية والتصريحات كانت منقولة على الهواء مباشرة، ما يشير الى نوايا مبيتة لدى البعض لاستهداف رئيس الحكومة والامعان في إضعافه بعدما قدم سلسلة من التنازلات السياسية صنّفها البعض بأنها تفريط في الصلاحيات كما في الهيبة الرئاسية.

اللافت أن الحريري الذي يتخبط في أزماته بات اليوم بين سندان “القوات اللبنانية” ومطرقة “التيار الوطني الحر”، كونه هو من يسعى الى التحالف معهما إنتخابيا للحد من الخسائر التي يمكن أن يتعرض لها بفعل القانون الانتخابي الجديد، ما جعل جعجع يتجرأ عليه، فيما الوزير جبران باسيل بحسب مطلعين يتولى رسم سياسة الحكومة كرئيس رديف، وطبعا فان الثنائي الماروني يطيب لهما إضعاف موقع رئاسة الحكومة لمصلحة رئاسة الجمهورية، لكن المستغرب هو مجاراة الحريري لهما في ذلك.

ربما لم يكن الحريري يتوقع هذا الكلام المسيء من جعجع الذي كان يفترض به أن يحترم بشكل أكبر زيارة رئيس حكومة لبنان الى معراب، وأن لا يحولها الى “أهلية بمحلية” والى جلسة “تنكيت”، وأن يحترم أيضا تاريخ الخدمات التي قدمها الحريري إليه، بدءا من قيادته معركة إخراجه من السجن الذي دخله مدانا من أعلى سلطة قضائية في لبنان باغتيال رئيس حكومة لبنان الرئيس الشهيد رشيد كرامي، من خلال عفو عنه صدر في مجلس النواب، مرورا بالدعم الذي قدمه له على أكثر من صعيد للوقوف سياسيا على قدميه وتنظيم حزبه، وصولا الى مساندته في أكثر من إستحقاق إنتخابي، حتى بات يصح القول بعد زيارة الحريري الى معراب: “ولما إشتد ساعده رماني”.

لم يتمكن الحريري من الرد على جعجع مباشرة وهو بدا عليه الارتباك مما سمعه، فجاء الرد بالواسطة عبر مدير مكتبه نادر الحريري عبر قناة “أو تي في” حيث قال: “نحن لسنا بمدرسة ليصنفنا جعجع إذا كنا عاقلين أو مشاغبين، بل نحن نعمل وفق قناعاتنا”.

لكن هذا الرد الذي إنتظر 24 ساعة جاء ضعيفا جدا، ولم يستطع أن يمسح الاساءة التي تعرض لها رئيس الحكومة في معراب، والتي لا شك في أنها ستنعكس عليه سلبا في الشارع السني وقياداته الذين يأخذون على الحريري، أن سلوكه السياسي يصيب من موقع رئاسة الحكومة مقتلا.

لم يفهم كثير من المحللين ماذا قصد جعجع من كلامه: “نتحالف مع الحريري إذا بيقعد عاقل”، لكن يبدو واضحا أن “الغيرة” تستوطن عقل وقلب جعجع، من تنامي العلاقة بين الحريري وجبران باسيل، وتفاهمهما على كثير من القضايا وخصوصا في التعيينات التي يشعر القواتيون أنهم مغبونون فيها، وأن ما حصلوا عليه حتى الآن من مكاسب، لم يرتق الى مستوى التضحية التي قدموها في إنجاز “مشهدية معراب” التي أسست لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.

من هنا فان جعجع يتطلع الى حصص سياسية وإدارية وعسكرية أكبر تساعده في تحقيق طموحاته وتنفيذ مشاريعه في المستقبل، وهو بات يشعر أنه مثل “الزوج المخدوع”، وأن قلب الحريري بات يهوي الى العونيين والى جبران باسيل تحديدا، متخليا بذلك عن “الحب الأول”، فأراد جعجع أن “يتدلل” على الحريري، وأن يحثه على أن “يعدل” في معاملته بين الثنائي الماروني.

Post Author: SafirAlChamal