ثلاثة إفطارات وسحور رعاهم رئيس الحكومة سعد الحريري على مدى ثلاثة أيام في الشمال، بدأها بإفطار لفاعليات طرابلس وزغرتا والكورة والبترون غروب يوم الجمعة في معرض رشيد كرامي الدولي، أعقبها في اليوم التالي إفطار لفاعليات عكار في قاعة ″لا سيتاديل″ في بلدة ببنين، وأنهاها الأحد بإفطار لفاعليات الضنية في مطعم قصر الأمراء في بلدة سير، تخللهم سحور في دارة عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل معتز زريقة في المنية.
في المناسبات الأربع تحدث الحريري مخاطباً الحضور، متطرقاً إلى شؤون عامة، سياسية وإنمائية، كما جرت العادة في جميع الإفطارات التي يرعاها، سواء بحضوره شخصياً، أو بتحدثه إلى الحضور عبر شاشات عملاقة عندما كان مقيماً خارج لبنان، إما في السعودية أو في فرنسا.
مواقف الحريري في خطاباته وبعد تفكيكها وتحليل مضمونها، يمكن ملاحظة أبرز النقاط فيها:
أولا: تقدّم الخطاب الإنمائي للحريري على كل ما عداه، إذ تطرّق تقريباً إلى أغلب المشاريع التي تحتاجها هذه المناطق، واعداً بتنفيذها أو استكمال تنفيذ المشاريع التي بدأ العمل بها قبل فترة، وترجم ذلك في ورود عبارات ″الإنماء″ و″التنمية″ و″النمو″ أكثر من مرة في خطاباته، وهو أمر طبيعي قبل موسم الإنتخابات إذ يدغدغ فيها مشاعر الحضور وجمهور تيار المستقبل في مناطق تفتقر إلى الكثير من المشاريع.
ثانيا: طرأ عنصر جديد على خطابات الحريري أمام جمهوره في الشمال لم يكن معتمداً سابقاً، إذ شدد أمامه في المناطق التي رعى إفطاراتها وسحورها، على أن ″مناطقهم″ سوف تكون منصة لإعادة إعمار سوريا، وسيكون لها دور أساسي في ذلك، وأن عليهم الإستعداد والتحضير لهذا الدور الذي سيعود عليهم بفائدة إقتصادية وتنموية كبيرة.
لكن اللافت في الأمر أن الحريري لم يتطرق لهذه النقطة إلا هذه السنة، برغم دخول الأزمة السورية عامها السادس، وهو على ما يبدو تأخر في ذلك، لأن دولاً كثيرة خطت خطوات كثيرة في هذا الإتجاه منذ سنوات، وأن هذه الدول وضعت خططاً وأرسلت وفوداً وخبراء إلى طرابلس والشمال لهذه الغاية، إلا الحكومة اللبنانية التي جاءت متأخرة كعادتها.
كما أن تصوير الحريري لجمهوره أن مناطق الشمال ستكون منصة رئيسية لإعادة إعمار سوريا، كان يفترض أن يسبقه ويرافقه ويتبعه ورشة إنمائية ضخمة، لأن هذا الأمر يعتبر فرصة نادرة لن تتكرر ثانية، وهي ورشة لم تنطلق بعد.
غير أن أسئلة كثيرة طرحت تعليقاً على موقف الحريري المستجد، أبرزها: كيف ستكون هذه المناطق منصة لإعادة إعمار سوريا وهي كانت طيلة في السنوات الست الماضية، وبتحريض من الحريري وتياره، منصة رئيسية لاستهداف النظام السوري، وكيف سيعمل الحريري على إحداث ″إنقلاب″ في شارعه بهذا المجال، وهل يهيىء جمهوره إستباقاً لهضم ″النقلة″ في موقفه من النظام السوري.
ثالثا: شدد الحريري في خطاباته على لصق صفة ″الإعتدال″ به وبتياره، وعلى نبذ ″الإرهاب″ ومحاربته، ويلاحظ أن تعبير الإعتدال قد درج الحريري على استخدامه عندما يكون في السلطة، وتغييبه عندما يكون خارجها، أما رفضه الإرهاب فيأتي في سياق إصطفاف الحريري ضمن معسكر محاربة الإرهاب ورفضه.
رابعا: غابت مواقف الحريري التصعيدية والتحريضية ضد حزب الله والنظام السوري، فهو لم يأت على ذكرهما في خطاباته الأربعة إلا قليلاً، عكس ما كان يحصل سابقاً، إلى درجة أن حزب الله والنظام السوري وردا خمس مرات فقط في خطابات الحريري، وبشكل عابر وليس بشكل رئيسي، ما يدل على تحول لافت طرأ على خطاب الحريري يستدعى التوقف عنده!.