الاعتصامات تغزو الشوارع والتحركات المطلبية نحو التصعيد.. أين الحكومة؟… غسان ريفي

يكاد نصف الشعب اللبناني أن يكون في الشارع، للاحتجاج على سياسة الحكومة وبعض وزاراتها تجاهه، وللمطالبة بالايفاء بالوعود والعهود التي كانت قُطعت لشرائح مختلفة من المجتمع اللبناني والتي تسعى الى تأمين قوتها وقوت عيالها، والعيش موفورة الكرامة.

يبدو واضحا أن بعض هذه التحركات لا تخلو من الرسائل السياسية، أو من تصفية الحسابات بين التيارات أو القيادات التي تحكمها التجاذبات والخلافات، لا سيما في أزمة مياومي وجباة الإكراء في كهرباء لبنان، حيث يبدو الصراع على أشده بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، حيث حاول المياومون المعتصمون أمس قطع الطريق على وزير الطاقة سيزار أبي خليل، ومنعه من دخول الوزارة، فرد الأخير بعدم إستقبال وفد المياومين مع الاتحاد العمالي العام، فوعد الميامون بإعادة الكرّة اليوم، بما يبدو أنهم ينطلقون من دعم سياسي يؤمن الغطاء لتحركاتهم.

في حين تبدو أزمة المصروفين من مشروع رصد التحركات السكانية في وزارة الشؤون الاجتماعية ناتجة عن سياسة جديدة تنتهجها القوات اللبنانية عبر وزيرها بيار بو عاصي، لتفريغ هذا المشروع من الموظفين المنتمين الى طوائف ومناطق معينة، تخضع لنفوذ تيارات سياسية أخرى، وذلك بهدف توفير الأموال التي كانت تُصرف لهم، وإستخدامها في مشاريع أخرى يمكن أو تُستخدم توظيفاتها سياسيا وإنتخابيا.

وبغض النظر عن السياسة وما تنتجه من فساد وإفساد في أكثرية المؤسسات الرسمية، تتجه الأزمات المعيشية والاقتصادية لتتحول الى كرة ثلج، قد تؤدي في حال تدحرجت بين المناطق الى ما لا يُحمد عقباه.  

مياومو الكهرباء في الشارع يحرقون الاطارات ويقفلون أبواب وزارة الطاقة، ويهددون بالتصعيد، وذلك بعدما سئموا سياسة المماطلة والتسويف، وفقدوا الأمل في تنفيذ الاتفاق الذي أبرم بينهم وبين وزارة الطاقة في العام 2014، والذي يقضي باخضاعهم لامتحانات تمهيدا لتثبيتهم، لكن التثبيت ما يزال في علم الغيب، بينما تقوم الوزارة بعهدها القديم والجديد بالتعاقد مع موظفين جدد، وفق محسوبيات وواسطات سياسية وطائفية.

وموظفو مشروع رصد التحركات السكانية في وزارة الشؤون الاجتماعية في الشارع، بعدما وجد 350 موظفا أنفسهم يواجهون البطالة بعد سنتين من العمل الدؤوب في رصد النازحين السوريين في الشمال والبقاع، وذلك نتيجة قرار الوزير بوعاصي بوقف العمل بهذا المشروع، وتوفير الأموال التي سبق أن قام بتأمينها الوزير السابق رشيد درباس الذي حرص على دعم المجتمعات المضيفة للنازحين، فأوجد مشروع الرصد بتمويل خارجي، ورفده بموظفين من الشمال والبقاع كونهما يحملان العبء الأكبر للنازحين.

المستفيدون من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الشارع لحمايته من الافلاس بفعل إلغاء العمل ببراءة الذمة للمؤسسات، وبالتالي التصدي للمادتين الواردتين في مشروع الموازنة للعام 2017، وفي الوقت الذي دعا فيه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر الى أوسع مشاركة في إعتصام رياض الصلح اليوم، يتوقف العمل في كل مراكز الضمان ويشارك الموظفون في الاعتصام بعدما بات هؤلاء يشعرون أن لقمتهم باتت مهددة في ظل السياسة التي تنتهجها الدولة حيال صمام الأمان الاجتماعي للطبقة المتوسطة في لبنان.

أصحاب الشاحنات في الشارع للمطالبة بحقوقهم، وكذلك تجار الهواتف الخليوية الذين يرفضون قرار وزير الاتصالات حصر بيع بطاقات التشريج بالشركتين المشغلتين، فيما بعض تجار الخليوي يعتصمون إحتجاجا على منافسة التجار غير اللبنانيين وكذلك أصحاب صالونات الحلاقة، وأيضا المحاسبين الناجحين في الشارع، إستنكارا لتصرف وزير الخارجية جبران باسيل بعدم توقيع قرار إلحاقهم بالوظيفة، متهمين إياه بأنه يتعاطى معهم من منطق طائفي.

واللافت أن أصداء تلك التحركات، وصرخات المعتصمين، ولجوئهم الى قطع الطرق وإقفال أبواب بعض الوزارات، لم تصل الى آذان الحكومة الغارقة في سبات عميق، والتي لم تحرك ساكنا تجاه الوزراء الذين يتصرفون على هواهم صرفا وتوظيفا وإخلالا بالوعود، في وقت يُحجم فيه الرئيس سعد الحريري حتى عن إستدعاء هؤلاء الوزراء والبحث معهم في كيفية حل تلك الأزمات التي تطال الآلاف من المواطنين.

هذا الواقع يطرح كثيرا من التساؤلات أبرزها: أين هي الحكومة من كل المطالب المطروحة؟، وهل بصرف الموظفين وتهديد سلامة الضمان الاجتماعي، والنكوث بالوعود المقطوعة للمياومين، تكون إستعادة الثقة؟، وإذا كانت الخلافات السياسية تحول دون قيام الحكومة بواجباتها الدستورية، فما الذي يمنعها من إنصاف أصحاب الحقوق، وتفعيل بعض المؤسسات لضمان ديمومة عمل موظفيها؟، ثم بعد ذلك أين الرئيس سعد الحريري من معالجة الأزمات التي تتخبط فيها طائفته، في وقت ينكب فيه كل المراجع السياسية الأخرى على تأمين مصالح طوائفها، وصولا الى إستخدام الأظافر لاستعادة حقوقها؟.

Post Author: SafirAlChamal