كان من المفترض أن ينعم مخيم عين الحلوة إعتبارا من صباح اليوم بتسوية سياسية وأمنية تعيد الهدوء والاستقرار الى أرجائه وتوقف عداد الموت الذي بدأ يتزايد منذ يوم الجمعة الفائت، وذلك وفق قاعدة: “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”، لجهة، غض النظر عن تواري بلال بدر عن الأنظار داخل المخيم، وأن تحفظ حركة فتح ماء وجهها في قرار عدم التراجع عن حربها لإستئصاله مع مجموعته، وحفاظ القوة الأمنية المشتركة على حضورها ونفوذها وتماسكها بالانتشار في حي الطيرة وإتخاذها مواقع ثابتة من أجل الحفاظ على الأمن.
وكما أن الحسم العسكري كان غير قابل للتحقيق، بفعل الانقسام الحاصل حوله، كذلك بدت التسوية غير قابلة للتطبيق بفعل صراع النفوذ القائم في المخيم والذي وصل الى داخل حركة فتح نفسها التي إعتبر أكثر من فصيل فيها أن صورتها اهتزت، مطلقا على ما حصل بأنه “تسوية عار” تمنح بلال بدر نصرا معنويا، وتمنح المجموعات الاسلامية المتشددة نفوذا لا أحد يعلم الى أين يمكن أن تصل آثاره وإنعكاساته على المخيم وعلاقته مع محيطه.
هذا الواقع أسقط التسوية ليل أمس فعادت الاشتباكات بوتيرة مرتفعة الى حي الطيرة، وبلغت ذروتها مع ساعات الفجر الأولى، وتشير معلومات الى أن بلال بدر ومجموعته عادوا الى مربعهم، بعدما تواروا عن الأنظار خلال ساعات النهار بانتظار إستكمال التسوية، وهم بحسب المعلومات شنوا أكثر من هجوم مضاد على مسلحي حركة فتح.
يبدو واضحا أن سيناريو مخيم عين الحلوة، بات يشبه الى حد بعيد سيناريوهات معارك التبانة وجبل محسن في طرابلس والتي إستمرت ست سنوات متواصلة الى أن نضج القرار السياسي باستئصال المجموعات المسلحة وإقفال المحاور.
وهذا يعني أن المخيم يتجه لأن يتحول الى صندوق بريد، أو ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المحلية والاقليمية، حيث شهد خلال الأيام الماضية جولة عنف أولى رسمية لم تنفع المسكنات معها حتى الآن، تماما كما كان يحصل في بعض معارك طرابلس، ما يؤكد أن جولات العنف قد تتواصل كلما دعت الحاجة السياسية والأمنية لها منذ الآن وصاعدا، الى أن يصدر قرارا سياسيا جديا بتطبيق خطة أمنية في المخيم تضع حدا للفلتان الأمني الحاصل، ويأمل أبناء المخيم أن يكون ذلك قريبا جدا.
وتخشى مصادر مطلعة من أن تؤدي عودة بلال بدر ومجموعته الى حي الطيرة، الى إستحداث محاور وخطوط تماس دائمة في مخيم عين الحلوة، خصوصا في ظل عدم التوافق على الحسم العسكري خشية إنضمام كل المجموعات الاسلامية المتشددة الى بدر، وعدم التوصل الى تسوية ترضي جميع الأطراف، ما يعني أن الخاصرة الأمنية اللبنانية الرخوة ستبقى مصدر قلق دائم ويومي، وأن التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة من شأنها تبدل من موازين القوى المتحكمة بأمن المخيم في أي لحظة.
لا يختلف إثنان على أن مخيم عين الحلوة يشكل مصدر قلق كبير لكل القوى والأطراف اللبنانية منذ فترة طويلة، وفي مقدمتها حزب الله الذي يخشى في حال حصول أي عدوان عليه أو على لبنان، أن تُستخدم مجموعات متشددة داخل المخيم ضده، فتساهم في عرقلة حركته باتجاه الجنوب، وفي مقدمة تلك المجموعات مجموعة بلال بدر التي حاولت التسوية تعطيلها، قبل أن تفشل وتعود الأمور الى المربع الأول.
يمكن القول أن ما يحصل في المخيم قد حقق أهدافه قبل أن تضع جولة العنف الأولى أوزارها فاستخدم النائب نقولا فتوش أحداث مخيم عين الحلوة كمبرر أساسي في طرح مشروعه لتمديد ولاية مجلس النواب الى حزيران من العام 2018، ولعل تجدد الاشتباكات وبوتيرة أعنف، من شأنه أن يعزز من طرح فتوش، وأن يدفع القوى السياسية المعترضة الى الرضوخ لهذا التمديد، كما نجحت بعض القوى الاسلامية المتشددة في فرض شروطها، أما حركة فتح فما تزال تسعى الى إستعادة نفوذها، من خلال تثبيت حضورها العسكري في المخيم.
وتؤكد مصادر أمنية مطلعة أن أحدا من المطلوبين لم يخرج من مخيم عين الحلوة، وأن الطوق الذي يفرضه الجيش اللبناني حول المخيم محكم جدا، مشيرة الى أن المطلوب شادي المولوي ما يزال أيضا ضمن المخيم، وأنه كان يتحصن في المربع الأمني العائد لبلال بدر، وأنه إما غادر حي الطيرة الى مربع أمني آخر تسيطر عليه إحدى المجموعات المتشددة، أو أنه آثر اللجوء الى مجموعة متشددة أخرى تقبل بحمايته.