قبل أقل من ستّ سنوات، وتحديداً بعد أشهر من إندلاع شرارة الأحداث في سوريا منتصف شهر آذار 2011، بدأ تدفق النازحين السوريين إلى لبنان هرباً من الجحيم الذي بدأت سوريا بدخوله، وكانت أعدادهم في البدء قليلة قبل أن تكبر تباعاً، وتأخذ شكل هجرات جماعية بعدما كانت فردية.
حينها سارع نواب ووزراء ومسؤولين في تيار المستقبل وفريق 14 آذار إلى الحدود اللبنانية ـ السورية لاستقبال النازحين، وشوهدوا وهم يساعدون الصغير، ويمسكون بيد الكبير، ويخففون من هول الفاجعة على النساء، ويردّدون على مسامع النازحين: قريباً ستعودون إلى بلدكم وسيسقط النظام، وسنكون معكم لنفرح سوياً. لا تقلقوا ولا تخافوا. بيوتنا بيوتكم، وسنتقاسم معكم لقمة الخبز.
بالمقابل، أصوات قليلة إرتفعت تدعو الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ تدابير لمقاربة ملف النازحين السوريين بعقلانية ورؤية واضحة، إنطلاقاً من مصلحة البلد العليا بعيداً عن حسابات سياسية ضيقة، لكنها لم تلق إستجابة نتيجة الإنقسام العمودي وخطاب سياسي وطائفي ومذهبي متوتر، جعل البلد يغرق في أزمة لا يعرف كيف يخرج منها.
بعد قرابة ست سنوات إنقلبت الصورة رأساً على عقب، فالنازح السوري بات عبئاً إقتصادياً وإجتماعياً، وارتفعت أصوات لبنانية تتهم النازحين السوريين بأنهم سبب كل الأزمات، من البطالة وغلاء المعيشة وقلة السيولة والركود، وصولاً إلى حدّ إتهامهم بسرقة فرص العمل من اللبنانيين، وسلبهم لقمة عيشهم.
تحت هذه العناوين بدأت حملة ضد النازحين السوريين إتخذت أشكالاً عنصرية، بدءاً من منع بلديات نازحين سوريين قاطنين فيها من التجول فيها خلال ساعات معينة في الليل، والتعرّض لهم ومضايقتهم نفسياً وجسدياً، قبل أن تبرز منذ أشهر حملة منظمة لمنعهم من فتح محال أو مزوالة أعمال ومهن، تحت حجّة أنهم لا يملكون إجازات رسمية، وأنهم يشكلون منافسة غير مشروعة للبنانيين.
هذه الحملة ضد النازحين السوريين أعادت للأذهان حملات شنّت سابقاً ضد النازحين الفلسطينيين، في مشهد يكاد يكرّر نفسه، وكانت النتيجة أن أطرافاً لبنانية إستغلت حينها الوضع وورطت الفلسطينيين في الحرب الأهلية اللبنانية، ما جعل أكثر من جهة لبنانية تحذر من الوقوع في الخطيئة نفسها، وأن التضييق على النازحين السوريين ومنعهم من كسب لقمة عيشهم بالحلال، قد يجعلهم يكررون ما قام به الفلسطينيون، مع فارق أن السوريين يبلغون حالياً قرابة مليون ونصف بينما الفلسطينيين لم يتجاوزوا يوماً نصف مليون، ما حدا بوزير الشؤون الإجتماعية السابق رشيد درباس، الذي تعاطى مع ملف النازحين السوريين عن قرب، إلى التحذير بقوله: ″نحن اليوم نعيش بأمان نتيجة كرم أخلاق النازحين السوريين، لإنهم إذا نظموا أنفسهم، أو نظمتهم جهة ما، فإن البلد سيصبح على كف عفريت!″.
تفاقم أزمة النازحين السوريين في لبنان، دفع أطرافاً محلية لنصح الحكومة بالتواصل مع النظام في دمشق، ومحاولة إقناعه بإعادة النازحين تدريجياً، إلى مناطق آمنة، لكن أصواتاً مقابلة رفضت قيام أي تواصل مع النظام السوري حتى لا يعطى شرعية ما، وحرصاً على حياة وسلامة النازحين وفق قولهم، مع أنهم أكثر الجهات تحريضاً ضد النازحين. وقد خرج بعضهم قبل أيام داعياً لإبعاد النازحين بالقوة، وإقامة مخيمات لهم عند الحدود، وأن أي شخص يخرج منها ويدخل الى لبنان يطلق النار عليه!
هذه ″الهستيريا″ أثبتت أن النازحين السوريين واللبنانين كانوا ضحية سياسيين لبنانيين تعاطوا مع أزمة النازحين بانتهازية وضيق أفق، وجعلت لبنان والنازحين يدفعون اليوم أثمان خطايا طبقة سياسية قصيرة النظر.
أول من أمس قال الرئيس سعد الحريري خلال زيارته العاصمة الفرنسية باريس، ولقائه كبار المسؤولين فيها، أن ″لبنان لا يمكنه أن يتحمّل مليون ونصف مليون نازح سوري″، و″ما يدعوني إلى الخوف هو أن المجتمع الدولي لا يعي بالشكل الذي نعيه نحن، مدى تأثير ذلك على لبنان″، متوجساّ من ″تحول مشكلة النازحين السوريين إلى مشكلة أكبر بالنسبة إلينا في لبنان، وبالنسبة إلى المجتمع الدولي″.
هذا الكلام أين كان قبل ستّ سنوات، ولما لم يقله الحريري حينها، ومن يحاسبه ويحاسب تياره وفريقه السياسي على ما اقترفوه بحق اللبنانيين والنازحين السوريين معاً؟.