لا تزال طرابلس تحافظ على مكانتها الاثرية بين مدن المنطقة، انطلاقا من موقعها التاريخي الذي يصنفها ثاني عاصمة مملوكية بعد القاهرة، وهي باثارها المتنوعة من مساجد وكنائس وقلاع وابراج وقصور واسواق وخانات تعتبر متحفا حيا، رغم كل صنوف الحرمان والاهمال، وكل محاولات الامعان في تهميش هذه الثروة، التي لا يخفى على احد مدى اهميتها على الصعيدين السياحي والاقتصادي، والدور الذي يمكن ان تلعبه في انعاش المدينة والارتقاء بها الى قائمة المدن السياحية في لبنان والعالم.
طرابلس التي تضم اكثر من 360 معلما اثريا، بعضها مهدد بالزوال بفعل حرمان الدولة وإعتداءات الانسان، تشهد منذ فترة محاولات دؤوبة على خط تأهيل بعض تلك المعالم الاثرية، والتي تقوم بها جمعيات دولية على غرار جمعية يوتوبيا وجمعيات محلية على غرار جمعية العزم والسعادة الاجتماعية التي كانت عملت على إعادة تأهيل سوق القمح للحبوب، وحمام الجديد، والعديد من المساجد الاثرية، فضلا عن المشروع الكبير في السوق العريض والذي يعتبر من احد المداخل الرئيسية المؤدية الى المدينة القديمة.
لكن الابرز ان طرابلس ما تزال تحافظ حتى الان على بعض حماماتها، التي منها ما يزال يعمل، ومنها ما جرى ترميمه او قيد الترميم، ليكون اما حماما على غرار حمام العبد الذي يستقبل الزبائن يوميا، او متحفا للاواني والتراثيات، او معلما تراثيا للزوار والسياح.
وكانت الحمامات ازدهرت في عهد العثمانيين، وهي انشئت في الاصل للحاجة الى النظافة والطهارة طبقا للشريعة الاسلامية، بسبب قلة المياه الواصلة الى البيوت، كما يوضح مسؤول لجنة السياحة في جميعة يوتوبيا عبد الجواد احمد الذي يقول: بدأت الحمامات مع دخول المماليك الى طرابلس عام ١٢٨٩ ميلادية حيث كانت تعاني منازل المدينة حينها من غياب تام للمياه، وحسب الأصول الشرعية الإسلامية فالطهارة واجبة، من أجل النظافة والصلاة.
وإنطلاقا من هذا المبدأ بنيت الحمامات التي إمتازت بهندستها وزخرفتها و نقوشها.
ويضيف: إمتازت طرابلس بوجود عدد كبير من الحمامات المملوكية والعثمانية، ولا يزال حمام العبد الى هذا الوقت يعمل ويستقبل زواره، فضلا عن حمام عز الدين الذي تشرف وزارة السياحة اللبنانية عليه، بعدما تحول مقصدا للزوار والسياح.
ويعتبر حمام العبد الأهم والابرز لانه الشاهد الوحيد الذي يعمل في الوقت الحاضر ويستقبل أهالي المدينة والسياح الذين يقضون اوقاتا طويلة في ارجائه، ويعود تاريخ إنشاءه إلى العام 1708 ويتشارك مع باقي الحمامات باستقبال الزوار والسياح للتعرف على تاريخه وهندسته ويستعيد فيه أبناء طرابلس ذكريات مجد غابر.
أما سبب تسميته بحمام العبد فتقول الروايه أن أحد المقربين من الباشا آنذاك وهو من آل السلطي قد قتل وشهد على عملية القتل خادم الباشا وهو من الجالية الافريقية فهرب الى الحمام خوفا من القتلة الا انهم علموا بأمره وأردوه على عتبة الحمام ومنذ تلك الحقبة سمي بحمام العبد.
ويشير عبد الجواد أحمد الى أن هناك ثلاثة اقسام في الحمامات، الأول يعرف (الجواني) وهو الأكثر عمقا في الحمام ويتألف من عدة غرف، واحدة (السونا) وغرفتان للتبليل وهي المرحلة الأولى التي يتولاها المستحم بنفسه دون الحاجة الى أحد، وفيها أجران حجرية قديمة للمياه الساخنة وأوعية لصبّ الماء وبعد التبليل ينتقل المستحم الى غرفة (التكييس)حيث يقوم عامل مختص بحفّ جسم المستحم بواسطة كيس مصنوع من شعر الماعز، اما القسم الثاني (الوسطاني) وهوعبارة عن فسحة داخلية يخرج المستحم اليها بعد الانتهاء ويجلس على مقعد حجري يتوسط الفسحة ليبرد جسمه لخمس دقائق استعدادا للخروج، اما القسم الثالث فهو البهو الرئيسي، حيث يلف الزبون رأسه بفوطة من القطن، ويجلس في الصالون على اريكة ويمكنه احتساء الشاي او القهوة او تدخين النرجيلة.
وكانت طرابلس تضم سابقا 12 حماما، هم: حمام القاضي الذي بني عام 1340 وقد تم هدمه لاحقا دون معرفة الاسباب، حمام العطار وهو نسب إلى ناصر الدين العطار ولم يبق منه سوى واجهته الغربية، حمام الحاجب وقد بني بين عام “1322وعام 1332” ولا تزال آثاره ظاهرة على الضفة الشرقية لنهر أبو علي، حمام النوري المملوكي ويقع بالقرب من الجامع المنصوري الكبير، بناه الامير سنجر عبد الله النوري سنة 1310 وهو اليوم مهجورا، حمام الدردار، بني عام 1700 ويعتبر من أجمل حمامات طرابلس من ناحية الهندسة وسعة داره، حمام الطواقيه الذي لم يبق منه شيئا، حمام القلعة وهو لم يذكر اي تفاصيل عنه في اي مرجع تتحدث عن الحمامات، الحمام الكبير في مدينة الميناء، حمام عز الدين، وقد بناه نائب السلطنة عز الدين أيبك الموصلي المنصوري بين العامين 1326 – 1330 ويعتبر من أشهر حمامات طرابلس وظل يعمل حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وقد جرى ترميمه بصورة متطورة مع الحفاظ على تاريخه الاثري، وهو اليوم من المعالم الاثرية التي يقصدها الزوار والسياح، وحمام الجديد أو(القراقيش) ويقع في ساحة الدفتردار وكان يعرف بحمام الباشا أو حمام العظم نسبة إلى بانيه أسعد باشا العظم سنة 1740 ويمتاز ببوابته العالية المزخرفة والنقوش الموجودة على جدرانه، وقد شهد مؤخرا عملية تاهيل من قبل جمعية العزم والسعادة.