ماذا بقيَ من 14 آذار؟… غسان ريفي

كثيرة هي الخيبات التي منيَ بها جمهور 14 آذار، فمئات الآلاف من المواطنين الذين تحركوا عفويا في ذاك اليوم الوطني المشهود، وملأوا الساحات طلبا للحرية والسيادة والاستقلال، ودعما للدولة القوية القادرة والعادلة، وإحتجاجا على ممارسات النظام الأمني اللبناني ـ السوري، ورفضا للفساد والهدر والسمسرات والمحسوبيات والسرقات، قد وجدوا بعد 12 عاما أنه لم يبق لديهم من ذاك الحلم الجميل سوى ذكرى الشهداء.

سنوات عدة مرت، تقلصت فيها ساحات 14 آذار الى داخل القاعات، وصولا الى العدم حيث لم يحرك أحد ساكنا يوم أمس، أما الشعارات الرنانة، والوعود بالحرية والديمقراطية، والوحدة الوطنية والعدالة والمساواة والانتقام من المجرمين القتلى التي صدح بها خطباء الساحات، فتهاوت وتساقطت جميعها على طريق المصالح والمكاسب والسعي للوصول الى السلطة.

بعد 12 عاما من وعود 14 آذار، سقطت الأحلام، وتقلصت مساحات الحرية، وسُجنت الديمقراطية في إطار التوافق، وطغت المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية، فتبدلت سياسات، وتغيرت تحالفات، وكثرت التنازلات، وإستشرى الفساد بما بات يهدد كيان وطن الأرز بالانهيار.

بعد 12 عاما من وعود 14 آذار، ميشال عون رئيسا للجمهورية، ليس بدعم حلفائه في ثورة الأرز، بل بوفاء حزب الله وبركة تفاهم مار مخايل، وموافقة سوريا على وصول مهندس قرار محاسبتها رقم 1559، وترحيب إيراني ورضى سعودي، وعدم ممانعة دولية.

بعد 12 عاما من وعود 14 آذار، سعد الحريري يسهو عن بند المحكمة الدولية في البيان الوزاري لحكومته، وتتحول كل لاءاته نعم، فيدخل الحوار مع حزب الله، ويشاركه الحكومة، ويغضّ النظر عن مشاركته في الحرب السورية، ويصمت أمام رهبة السلاح، متنازلا في ذلك عن كل الشعارات والمبادئ التي خاض بها حربا سياسية ضروسا كادت أن تشعل لبنان تحريضا وشحنا مذهبيا، عندما فقد الكرسي الثالثة، قبل أن يعود ويتحصن بالحكمة والموعظة الحسنة، فيرشح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ومن ثم يوصل ميشال عون الى قصر بعبدا، ويعود رئيسا لحكومة العهد الأولى، ويستقبل وزير العدل سليم جريصاتي ممثلا لرئيس الجمهورية في الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، ويرسل وزير الدفاع يعقوب الصراف ممثلا عنه الى مؤتمر ميونخ الأمني.

بعد 12 عاما من وعود 14 آذار، سمير جعجع يتفاهم مع ميشال عون، نكاية بترشيح الحريري لفرنجية، ويطوي صفحة من الحروب والدمار والدماء، ويتقوقع في طائفته مقدما حقوق المسيحيين على حقوق الوطن والشعب.

بعد 12 عاما من وعود 14 آذار، وليد جنبلاط أكبر المهادنين، إلا من تغريدات تحمل إيحاءات سياسية، معتمدا أولوية الحفاظ على نوابه من خلال قانون إنتخابي يمهد لهم الطريق للوصول مجددا الى ساحة النجمة، وما دون ذلك تفاصيل لا وقت لديه للخوض بها، أما مجلس الشيوخ ورئيسه الدرزي فله رب يحميه.

بعد 12 عاما من وعود 14 آذار، بات بطرس حرب خصما مسيحيا شرسا، وسمير فرنجية معزولا، وفارس سعيد إبنا ضالا، وأشرف ريفي متمردا، ودوري شمعون عبئا، وكارلوس إده مغيّبا، وميشال معوض يائسا.

لقد أدرك جمهور 14 آذار بعد 12 عاما على إجتياحه ساحات بيروت، أن بلد الأرز بات أكثر تطيّفا وتمذهبا، وأن القوانين الانتخابية المطروحة تسعى الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، بحثا عن نائب إضافي هنا أو هناك، فيما الدولة تكاد تنهار فسادا وإفسادا، والضرائب تشارك المواطنين لقمة عيشهم، والانتخابات النيابية لاعادة تكوين السلطة مؤجلة الى أجل غير مسمى، أما ما تبقى من 14 آذار فيكاد يقتصر على ذكرى الشهداء، وصورة تؤرخ لذاك اليوم العظيم.

Post Author: SafirAlChamal