شكل قرار الحكومة بتعيين رئيس الأركان في الجيش اللبناني اللواء حسان عودة خطوة هامة على طريق إستكمال الهيكلية العسكرية فيه وتعزيز إنتظامه وإستقراره، في ظل الأوضاع الأمنية الضاغطة لا سيما مع إستمرار إسرائيل بعدوانها على لبنان من بوابة الجنوب.
قرار الحكومة حظيَ بغطاء وطني واسع، إنطلاقا من ضرورة الحفاظ على المؤسسة العسكرية وإفساح المجال أمام قائد الجيش العماد جوزيف عون بحرية الحركة، حيث يمكن لرئيس الأركان أن يحل مكانه في أي وقت يضطر فيه الى الغياب، وبالتالي فإن ما قامت به الحكومة يحاكي المسؤولية الوطنية ويحقق المصلحة العليا للبلاد في أن يكون جيشها في حالة إنتظام وجهوزية كاملة.
قرار التعيين الذي إتسم بالجرأة، جاء بعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الكتاب الذي وجهه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى وزير الدفاع موريس سليم للقيام بواجباته الدستورية بإقتراح أسماء ضباط لاستكمال تعيينات المجلس العسكري، وقد رد الوزير سليم بكتاب أكد فيه انه ملتزم بواجباته وهو من أشد المطالبين بإجراء التعيينات.
لكن كلام الوزير سليم محاه الضغط السياسي الذي مارسه عليه رئيس تياره النائب جبران باسيل الذي خاض معركة قاسية ضد التمديد لقائد الجيش في مجلس النواب وتلقى خسارة مدوية أضيفت الى سلسلة الخسائر التي تلحق به وتقوده الى عزلة سياسية حقيقية، حيث لم يعد لديه حليف يمكن أن يعتمد عليه بعدما ضاق حزب الله ذرعا بنكده السياسي ومواقفه الطائفية الاستفزازية.
لا شك في أن من أبرز مهام وواجبات وزير الدفاع هي تفادي أي شغور في المؤسسة العسكرية التي يفترض انه مؤتمن عليها وعلى إستقرارها، لكن يبدو أن الوزير أراد تقديم مصلحة تياره السياسي على المصلحة الوطنية لجهة الالتزام بقرار باسيل بدءا من مقاطعة جلسات مجلس الوزراء وصولا الى رفض تقديم إقتراحات الأسماء وما بينهما التعاطي السلبي مع الحكومة التي إعتبرت ان وزير الدفاع تخلف عن القيام بواجباته المنصوص عنها في المادة ٦٦ من الدستور والتي أناطت به تطبيق الأنظمة والقوانين العائدة الى إدارته.
أمام هذه السلبية، قررت الحكومة مجتمعة تعيين اللواء حسان عودة رئيسا للأركان، وفرضت في الوقت نفسه على وزير الدفاع إجماعا وزاريا لا يمكن تجاوزه، خصوصا وبحسب دراسة أعدها أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية أن “وزير الدفاع وإن إلتزم بتقديم إقتراحات الأسماء فهي ستناقش في مجلس الوزراء، وإذا كان رأي الأكثرية مخالفا لاقتراحاته وتم التصويت عليه فإنه يكون ملزما له انطلاقا من مبدأ التضامن الوزاري المنصوص عليه في الدستور”.
وبرأي بعض الخبراء، فإن أي طعن قد يقوم الوزير سليم أو تياره السياسي بتقديمه بقرار التعيين ستكون منطلقاته ضعيفة كون سليم تلكأ عن القيام بواجباته بالرغم من الكتاب الموجه اليه من رئيس الحكومة، ولأن الأكثرية الوزارية وافقت على هذا التعيين الذي بات ملزما للوزير.
في غضون ذلك، ضاعف قرار التعيين من “الهستيريا” لدى جبران باسيل الذي تعرض لخسارة جديدة، وبعض نوابه المقربين الذين تباكوا مع رئيس تكتلهم على الدستور واتفاق الطائف ورفعوا السقف السياسي عبر بيانات متشابهة هي لزوم ما لا يلزم بعد سنة وأربعة أشهر من الفراغ الرئاسي وإضطرار الحكومة الى توسيع تصريف الاعمال وفقا لمقتضيات الواقع اللبناني المأزوم، خصوصا أن المشرع عندما وضع بند تصريف الأعمال بحده الأدنى لم يكن يخطر بباله ان الفراغ سيمتد الى شهور وسنين، ما يحتم على الحكومة القيام بواجباتها لجهة معالجة ازمات اللبنانيين ومنع تمدد الفراغ الى مؤسسات الدولة لا سيما المؤسسة العسكرية.
ترى مصادر سياسية مواكبة أن جبران باسيل بنى جدارا إضافيا من شأنه أن يعمق عزلته السياسية، وذلك بفعل إصراره على تقديم مصلحته الشخصية على المصالح الوطنية، وعلى إستهداف الجيش وقيادته، وقائده ورئيس أركانه، رافعا دستور الطائف الذي حاربه وخرقه وإستهدفه وتجاوزه وأساء اليه لسنوات طويلة شعارا لمعركته الخاسرة سلفا!..
Related Posts