ماكرون يستعيد ″وصاية″ فرنسا على لبنان والسّيادون صامتون… عبد الكافي الصمد

منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان لأول مرة في 6 آب الماضي، غداة الإنفجار الكبير الذي شهده مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، إلى زيارته أمس إلى لبنان للمرة الثانية في أقل من شهر، إلى الإعلان المبدئي عن زيارة ثالثة له في شهر كانون الأول المقبل، حفلت زيارة الرئيس الفرنسي إلى بلاد الأرز بالكثير من الأمور اللافتة.

ومن خلال التدقيق والتمحيص في مواقف وتصريحات ماكرون والطبقة السياسية في لبنان، يمكن إستخلاص النقاط التالية:

أولاً: تأتي زيارات الرئيس ماكرون واهتمام الإدارة الفرنسية المكثف بلبنان بمناسبة الذكرى المئوية لولادة دولة لبنان الكبير عام 1920، على أيدي الإنتداب الفرنسي حينها، ما فُسّر على أن الحضور الفرنسي اليوم هو استعادة وتأكيد لحضور ونفوذ فرنسا في لبنان وتمسكّها بنفوذها في بلد يعتبر آخر محطة نفوذ لها في المنطقة، التي تراجع حضورها فيها كثيراً في السنوات الأخيرة.

ثانياً: دفاع فرنسا عن نفوذها في لبنان والمنطقة لا ينبع فقط من حرصها على مصالحها وحضورها فيه وجواره، بل دفاعاً عن هذا الدور الذي تآكل في السنوات الأخيرة لمصلحة النفوذ الأميركي الذي بات صاحب الكلمة الأولى في المنطقة، فضلاً عن دخول أطراف إقليمية تنافس فرنسا وغيرها على النفوذ في لبنان ومحيطه، وتحديداً سوريا، يأتي على رأسها إيران وتركيا والسعودية وغيرهم، وإذا كان نفوذ إيران ليس مستجداً في لبنان وهو أمر تعايشت معه فرنسا، كما النفوذ السعودي، فإن دخول الأتراك إلى لبنان، ومحاولة تعزيز وضعهم فيه، أثار حفيظة الفرنسيين المتأزمة علاقتهم مع تركيا هذه الأيام، بسبب خلافهم معها حول أكثر من ملف سياسي وإقتصادي.

ثالثاً: أدرك ماكرون مسبقاً وإدارة بلاده، وقبل مجيئه إلى لبنان، وضع البلد الدقيق الذي تهدّده الأخطار من كل جانب، هذه الأخطار عبّر عنها ماكرون بوضوح عندما حذّر من أنّ لبنان قد “تنشب فيه حرب أهلية إذا تخلينا عنه”، وهو كلام يأتي بعد أيام قليلة من تحذير وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان من أن “لبنان سيختفي ويمضي إلى الزوال”، وهما تصريحان كافيان لمعرفة الوضع الصعب الذي يعيشه لبنان والمصير الذي ينتظره، فجاء تدخل فرنسا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

رابعاً: رفع ماكرون والإدارة الفرنسية راية الإصلاح المطلوبة بإلحاح قبل حصول لبنان على أي مساعدات مالية لإنقاذه من الإنهيار والإفلاس، في قطاع الكهرباء وغيره، إذ أكّد ماكرون أن “الأمور كلها جاهزة (يقصد المساعدات)، وهي بحاجة إلى إرادة حقيقية، ولن نحرر أموال “سيدر” قبل تحقيق الإصلاحات”، بعدما كان وزير خارجيته قد أكد بدوره أن “المجتمع الدولى لن يوقع شيكاً على بياض إذا لم تطبق (السلطات اللبنانية) الإصلاحات”، مضيفاً أن بلاده “سلمت لبنان خارطة طريق هدفها إصلاحات عاجلة، سياسياً وإقتصادياً”.

خامساً: أكدت زيارة ماكرون وتدخله في تفاصيل الحياة السياسية في لبنان أنّ البلد ما يزال قاصراً بالرغم من مرور 100 سنة على ولادته؛ إذ أن ماكرون كانت له يد في اختيار رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، ومشاورات تأليف الحكومة المقبلة وإعداد بيانها الوزاري، ووضع خطط لإعادة بناء مرفأ بيروت، والتحقيق الجنائي في مصرف لبنان، وتأمين إنسحاب حاكمه رياض سلامة، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإصلاح الكهرباء وغيرها، وهي مواضيع لم تدفع القوى التي تسمّي نفسها سيادية للإعراب عن رفضها تدخل فرنسا في شؤون لبنان الداخلية، بل بلعوا ألسنتهم، في حين أنهم كانوا يستنفرون في وجه أي نفوذ أو تدخل دولة أخرى، ولو كانت صديقة وشقيقة وتجمعها بلبنان مصالح وعلاقات أكثر من فرنسا، ما يؤكد أن الحرية والسيادة والإستقلال عند هذا “الفريق السيادي” وجهة نظر.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal