منظومة الفساد أسقطت دياب وستسقط غيره… عبد الكافي الصمد

بعيداً عن الموقف من حكومة الرئيس حسّان دياب التي أصبحت من التاريخ بعدما قدّم رئيسها إستقالته أول من أمس، فإنّ عبارة وردت في خطاب الإستقالة هي أنّ ″منظومة الفساد أكبر من الدولة″، وضعت الإصبع على الجرح، ووصّفت الوضع على حقيقته.

هذه العبارة التي تأخّر دياب في قولها، ولا عذر له في ذلك خصوصاّ أن له تجربة سابقة في الحكم عندما تسلم حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كان يفترض به أن ينطق بها منذ اليوم الأول لوصوله إلى السراي الحكومي الكبير، ولم يفعل، ما جعله يدفع ثمن تأخّره وتردّده في قول ما يجب عليه قوله، والقيام بخطوات لمواجهة منظومة الفساد هذه، لكنه أيضاً بقي على تردّده.

ولا يخفى على أحد، سواء شارك في السلطة أم كان مراقباً أم مواطناً، أنّ منظومة الفساد هذه متجذرة في السلطة أكثر من أي أمر آخر، وهي إذا كانت قد برزت في سنوات الحرب الأهلية بين عامي 1975 ـ 1990، فإنها كبرت ككرة الثلج حتى بعد انتهاء الحرب، وباتت مع مرور السنين أكبر من الدولة نفسها، ومهيمنة عليها من ألفها إلى يائها.

هذه المعادلة البسيطة في السلطة والحكم في لبنان كان يجب أن لا تغيب عن بال دياب، كما يجب أن لا تغيب عن أي شخصية سياسية ستخلفه في موقع الرئاسة الثالثة، سواء كانت هذه الشخصية سبق لها الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة كالرئيس سعد الحريري، الذي يرجّح البعض عودته إلى رئاسة الحكومة، أو شخصية جديدة ستدخل نادي رؤساء الحكومات كالسفير السابق نواف سلام الذي تحدثت معلومات عن أنّ له أسهماً مرتفعة في تسميته رئيساً مكلفاً في الإستشارات النيابية الملزمة المرتقبة.

لكن أيّ رئيس حكومة مكلف سوف يجد أكثر من كرة نار مرمية في أحضانه، وأن عليه العمل على إطفائها قبل أن تنفجر بين يديه وبالبلد ككل، وما تجربة دياب عنه ببعيدة إذا ما أراد سلوك الطريق نفسها في مقاربة القضايا والملفات العالقة، أو في التعاطي مع ملفات الفساد وكأنّها أمر واقع عليه التعايش معها، لأن رؤوس الفساد سرعان ما ستأكل رأسه عند أول مفترق.

وبالنظر إلى واقع لبنان المأزوم جدّاً هذه الأيّام، سيجد أيّ رئيس حكومة مكلّف نفسه في وضع لا يحسد عليه، ويفترض به معالجة ملفات كل واحد منها يحتاج إلى معجزة لمعالجته، من ملف الفساد وضرورة تنفيذ إصلاحات للحصول على مساعدات، وإيقاف إنهيار الليرة اللبنانية ومنع خسارتها قيمتها الشرائية أكثر من ذلك، وكذلك الأزمات الإقتصادية والمعيشية الخانقة، فضلاً عن مخاطر تفشّي فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، وملف النازحين السوريين وقبلهم ملف اللاجئين الفلسطينيين، واحتواء الإحتقان السياسي والتوتر الأمني، واستيعاب الشارع المنتفض منذ 17 تشرين الأول الماضي والذي أسقط حتى الآن حكومتين، وصولاً إلى تداعيات إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الجاري، وتداعياته الكارثية على لبنان، إقتصاداً وبشراً ووطناً.

كلّ هذه الملفات ستكون حاضرة على الطاولة في السراي الحكومي الكبير لدى دخول الرئيس المكلف الجديد إليها، وإذا ما اتبع سياسة التردّد والإرتباك التي اتبعها سلفه ولم تسعفه الظروف لانتشال البلد من أزمته، وليس هناك ما يبشّر بذلك، فأنه سرعان ما سيلاقي مصير دياب.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal