إنقلاب المشهد في آب: من شهر الرخاء إلى شهر الأزمات… عبد الكافي الصمد

لن يكون شهر آب هذا العام كما اعتاده اللبنانيون في السنوات السابقة شهر إجازة وراحة ونشاطات ترفيهية وسياحية في مختلف المناطق، حيث يبلغ فيه موسم الإصطياف ذروته مع قدوم المغتربين، ويكون كذلك موسم تصدير المنتجات الزراعية المحلية وغيرها إلى الخارج بما يوفر تأمين فرص عمل وعملات صعبة.

هذا المشهد العام الذي يطبع شهر آب عادة سيغيب هذه السنة على نحو شبه تام، وسيحل مكانه مشهداً سلبياً ومأساوياً لم يكن يخطر ببال اللبنانيين أنهم سيصلون إليه يوماً بعدما انقلبت حياتهم فيه رأساً على عقب.

اسباب وتطورات عديدة جعلت شهر اب هذه السنة لا يشبه ما كان عليه سابقا، من ابرزها:

أولاً: تفشّي وانتشار فيروس كورونا ما أثّر سلباً على كلّ نواحي الحياة في لبنان، وجمّدها على نحو غير مسبوق،وترك تداعياته الواسعة صحياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وهي تداعيات يتوقع أن تستمر طويلاً، وإزالة مخلّفاتها لن يكون بالأمر السهل أبداً.

ثانياً: إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي وبقية العملات الأجنبية، وهو إنهيار لم تعرفه الليرة اللبنانية في تاريخها، بعدما تراجعت بين 4 إلى 5 أضعاف في قرابة 6 أشهر، وخسرت قدرتها الشرائية، وطارت مدّخرات المواطنين، وسط ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ما جعل المواطنين يقعون تحت وطأة أزمة إقتصادية ومعيشية وضعتهم نحو 70 منهم تحت عتبة الفقر.

هذا الوضع دفع منظمة “SAVE THE CHILDREN” الدولية إلى التنبيه في تقريرها الأخير إلى أنّ “أكثر من نصف مليون طفل في لبنان أصبحوا مهدّدين بالجوع”، وأوردت في تقريرها أنّ “نحو مليون نسمة في منطقة بيروت لا يملكون المال الكافي لتأمين الطعام، من بينهم 564 ألف طفل لا يملك أهاليهم المال الكافي لشراء إحتياجاتهم الرئيسية”. وحثّت المنظمة الحكومة اللبنانية على “الإسراع في وضع آليات لتأمين الحاجات الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً في البلد، على وقع تأكيدات مرعبة لمدير المنظمة بالوكالة في بيروت جاد صقر قال فيها: “سنبدأ بمشاهدة أطفال يموتون جوعاً قبل حلول نهاية العام الحالي”.

ثالثاً: إنقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه تام وفي عزّ الصيف، تاركاً المواطنين يعانون إختناقاً لا مثيل له، وملحقاً أضراراً واسعة بالقطاعات كافّة، ومتسبباً بمزيد من الخسائر بالنسبة لخزينة الدولة والمواطنين على حدّ سواء، بلا أي بصيص أمل بانتهاء هذه المعاناة قريباً.

رابعاً: إرتفاع معدلات البطالة والتضخم والركود في مختلف القطاعات، إذ تكفي الإشارة إلى أن قرابة 250 ألف موظف وعامل فقدوا وظائفهم وأعمالهم أخيراً بسبب إقفال مؤسسات وشركات أبوابها، وخفض رواتب، ما ترك آلاف العائلات بلا مدخول، وجعل الهجرة طموح أي شخص أو عائلة للخروج من أزماتهم وواقعهم الصعب، بموازاة إمتناع أغلب المغتربين عن العودة إلى بلدهم لقضاء إجازتهم الصيفية فيه.

خامساً: تعدّدت الأزمات حتى بات يصعب حصرها في قطاع واحد، من أزمة المحروقات إلى أزمة المستشفيات، وأزمة العام الدراسي الذي جعل مصيره العام المقبل في مهب الريح، وسط أجواء تشاؤم خيّمت على أكثر من نصف مليون طالب لا صورة واضحة أمامهم لمستقبلهم.

سادساً: إستفحل الإنقسام السّياسي والطائفي والمذهبي إلى درجة بالغة الخطورة، وأثبتت الطبقة السياسية فشلها الذريع في حلّ أزمات البلد أو إخراجه منها، أو حتى إدارة هذه الازمات، برغم المخاطر المحدقة به والتطورات المتسارعة في المنطقة؛ إذ بدل أن تعمل الطبقة السياسية على انتشال البلاد من القعر الذي وصلت إليه ووضع حد لهذا الإنهيار والإنزلاق نحو الهاوية، فإنها غرقت في مناكفاتها وتمسكت بمصالحها الخاصة على حساب المصالح العامة، ولو على حساب البلاد ومصيرها.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal