الكرشوني – اللبناني في زمن الكورونا!… ريما ايعالي

حين يقول شخص ما كلاماً غير مفهوم، يُقال له: ″شو عم تحكي كرشوني؟″

أو حين تقرأ كلاماً غير واضح المعنى. تقول للكاتب: ″شو كاتب كرشوني؟″

للحقيقة ان اللغة الكرشونية هي لغة قديمة جداً، وكانت موجودة بالفعل، في بلاد الشام لبنان، سوريا وفلسطين. ولدت من رحم عقرته الحاجة، فانبت لغة هجينة لتسهيل عملية التواصل..

وبتعريف اللغة الكرشونية، هي الكتابة السريانية بالاحرف العربية، وقد اشتهرت في القرن السابع للميلاد، نتيجة الهجرة والتبادل التجاري والثقافي، بين بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية. هذا الاتصال المستحدث بين شعوب هاتين الحضارتين، وبالتالي ما بين اللغتين السريانية والعربية، افضى الى انتاج جديد من اللغتين سُمي الكرشوني، لتسهيل التواصل والاندماج المجتمعي آنذاك، وانسحب لاحقاً كإرث ثقافي على فترة طويلة من الزمن أثمر العديد من المخطوطات المترجمة والمكتوبة باللغة الكرشونية والتي ما زال جزء منها في العديد من متاحف العالم. وقد عرفت بصعوبة قراءتها وفهمها لمن يريد تعلمها.

امّا اليوم.. فاللغة الكرشونية هي اللغة الأم التي تتقنها الحكومة اللبنانية مع الناس…

ـ هي لغة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي..

ـ هي لغة الاصلاحات التي نخرت ضمير الفقراء..

ـ هي لغة ارشادات وزارة الصحة لتفادي الكورونا..

ـ هي لغة وجع الناس.. هي لغة الاذان الصمّاء..

ـ هي لغة الفاسد والمفسد الذي يحاضر بالاصلاح والصلاح..

ـ هي لغة شُذاذ الافاق والساسة الفجرة..

ـ هي اللغة التي يعجز المتحدث والمتلقي في لبنان عن فهمها..

اللبناني اليوم الذي صدّر الحرف الى العالم، اصبح عاجزاً عن التعبير، وبكل اللغات التي يتقنها، امام طبقة سياسية فاجرة ضحّت وتضحي به بكل المناسبات المتاحة، حتى بات كقربان لالهة لا تشبع.

واذا تخطينا كل مصائب وبلاءات هذا البلد المنكوب، ولعنة هذه التركيبة الطائفية المقيتة، التي ندفع كل يوم ثمنها باهظاً، ونسينا واقعنا المرّ، وسرقة مدخرات شعب كامل، وازمة الكهرباء، والمحاصصات وغيرها وغيرها.. ووقفنا فقط امام تداعيات ازمة انتشار فيروس (كوفيد-19) نرى اننا ايضاً وكما دائماً منقسمين في الرأي على الثوابت الكبرى، بين الناس فيما بينهم من جهة، وبين الناس والدولة من جهة ثانية.

فمنذ 21 شباط 2020 تاريخ ظهور اول حالة كورونا في لبنان، واللبناني في حالة فصام بين مصدّق ومكذّب لخطورة هذا الوباء العالمي، والدولة اللبنانية مستهترة في التعاطي، لناحية التشدّد في الاجراءات المتخذة في المطار، ان لجهة المسافرين القادمين، او لجهة الحجر، كذلك اجراءت الوقاية في الاماكن العامة، والتوعية الارشادية بكافة اشكالها.

من الاخطاء التي وقعت فيها الحكومة اللبنانية، كانت الية تنفيذ اجراءات التعبئة العامة التي عمدت الى تسكير البلد بشكل كامل، وحجر الناس لمدة شهرين، ثم فتحه دفعة واحدة، ما ضاعف من اعداد الاصابات بالفيروس اضعافاً. هذا وما زلنا في الموجة الاولى لانتشار الفيروس، فبحسب النائب عاصم عراجي رئيس لجنة الصحة العامة والشؤون الاجتماعية ان الموجة الثانية للفيروس لم تبدأ بعد، ويتوقع ان تبدأ من اول ايلول حتى تشرين الاول، وقد تكون اقوى واخطر من الاولى. وان الارتفاع في نسب الاصابات الذي شهدناه في الاسبوع الاخير هو استمرار للموجة الاولى.

وبالانتقال الى قطاع الرعاية الصحية المرتبط لزوماً بازمة كورنا المستجدّة، نرى اننا امام ازمة كبرى ان لم نقل مدمرة، لقطاع يعاني من صعوبة استيراد المواد الطبية اساساً نتيجة ازمة الدولار. وبحسب بترا خوري مستشارة رئيس الحكومة حسان دياب للشؤون الطبية، التي غرّدت عبر تويتر قائلة: “الى أين نتجه؟ يضرب (كوفيد-19) مجتمعنا بقوة وبخاصة من هم بعمر الشباب (10-19 سنة). سنبدأ قريباً برؤية مشاهد مروعة في مستشفياتنا مثل باقي البلدان. على هذه الوتيرة، ستمتلىء أسرّة العناية الفائقة بحلول منتصف آب. نحن في مرحلة خطيرة جدًا.”

وهذا الانذار ينبئ بالاسوأ والاسوأ في القادم من الايام.

طبعاً ان التداعيات الكبيرة لهذا الوباء طالت كل القطاعات وليس الصحي فقط. ولكن لننجو بأرواحنا اولاً ونكمل من حيث توقفنا..

كيف سنواجه؟.. على الجميع ان يتحمل مسؤولياته، لحماية نفسه واهله واحبائه من هذا الخطر، وشدّ احزمة الامان. وقبل ان نرمي المسؤوليات علينا ان نبدأ من انفسنا، وأن نلتزم الوقاية ثم الوقاية ثم الوقاية..

Post Author: SafirAlChamal