المخاوف الأمنية في طرابلس حقيقية أم مضخّمة؟… عبد الكافي الصمد

قبل أيّام، وفي لقاء ضيّق، سئل مسؤول أمني معني عن حقيقة المعلومات والتسريبات التي تشير إلى وجود مخاوف من توترات أمنية في مناطق لبنانية عدّة، وتحديداً في مدينة طرابلس ومناطق شمالية مجاورة لها، وهل أنّ هذه المعلومات والتسريبات الصحافية تستند إلى شيء من الحقيقة أم أنّها غير صحيحة؟.

إجابات المسؤول الأمني كانت مقتضبة جدّاً وعمومية، على جاري عادته، وحاول أن يطمئن سائليه من أنّ المخاوف التي جرى ويجري الحديث عنها مضخّمة جدّاً، موضحاً أنّ المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية، على اختلافها، لا تشير إلى أنّ هناك تحرّكات ما لعمليات أمنية مشبوهة، مثل تجنيد أفراد وتسليحهم أو دفع أموال لهم، وما إلى ذلك من مؤشرات توحي بأنّ هناك تحضيرات لتسخين الأرض، سواء في طرابلس أو غيرها، لافتاً إلى أنّ أغلب ما تشهده المناطق اللبنانية من إشكالات متفرقة ومتنقلة هي عبارة عن إشكالات فردية لا يجوز أن تعطى حجماً أكبر من حجمها.

غير أنّ تطمينات المسؤول الأمني لا تلقى صداها في أوساط عدة، سياسية أو غيرها، إذ يكاد يوجد إجماع في مختلف هذه الأوساط، بما يشبه الإعتراف التام بأنّ الأرضية جاهزة لحصول توترات أمنية معينة، وأنّ كلّ الأجواء المناسبة لإحداث خضّات أمنية متوافرة، مثل الإنقسام السياسي العمودي، والخطاب الطائفي والمذهبي المتوتر، ولجوء أغلب الأحزاب والتّيارات إلى استخدام خطاب التحريض، لأنه الوحيد الذي يبقيها على قيد الحياة سياسياً، بعد تراجع تأثيرها وحضورها ودورها في الأوساط الشعبية، إضافة إلى عامل الفقر الذي تتسع دائرته كلّ يوم، والذي كانت الأزمة الإقتصادية والمالية سبباً إضافياً ورئيسياً في جعل أكثر من 70 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خطر الفقر.

في مختلف الأوساط تحضر المخاوف الأمنية وتكاد تشكل الطبق الرئيسي من المناقشات، فضلاً عن أنّ البعض يتحدث عن أنّه يملك أو اطلع أو سمع عن وجود مخططات أمنية معينة لإحداث بلبلات وخضات أمنية واسعة، طرابلس ومناطق شمالية معينة إحدى أبرز الساحات التي تتحدث السيناريوهات عن أنها ستكون مسرحها، لكن هذه المخاوف لدى الأوساط المعنية تتوقف عند نقطتين رئيسيتين: الأولى أنه لا قدرة أو رغبة حتى الآن عند أي طرف داخلي بتفجير السّاحة اللبنانية، سواء من طرابلس أو غيرها.

أمّا النقطة الثانية فهي أنّ أيّ توتر أمني أو إضطرابات واسعة لا يمكن لها أن تحصل إلا بإيعاز أو بتدخل من طرف خارجي، يرى بأن من مصلحته الدخول للساحة اللبنانية، والعبث بها أمنياً لأسباب متعددة، من أبرزها إرسال “رسائل” سياسية متفجّرة أو تصفية حسابات أو بسط نفوذ سياسي وأمني، أو غير ذلك.

هل يحصل ذلك؟ هذا السؤال الذي يقضّ مضجع الجميع هذه الأيّام لا جواب عليه بعد، لكن اللبنانيين اعتادوا أن يكون بلدهم ساحة لصراعات الآخرين، وأن يكونوا وقوداً فيها، إستناداً إلى غرائز أو مصالح ضيقة، بعيداً عن مصالحهم الحقيقية المرتكزة في انتمائهم الحقيقي إلى هذه المنطقة وقضاياها المحقة، ضاربين بعرض الحائط مصالح تعساء هذا الوطن من أبنائه الذين كانوا دائماً، بإرادتهم أو رغماً عنهم، ضحايا هذه الصراعات العبثية التي لا تنتهي.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal