اللبنانيون محاصرون.. والأمل بتأشيرة الى بلاد الله الواسعة!… حسناء سعادة

بالامس قرعت باب منزلي سيدة في العقد السادس من العمر، قالت من دون مقدمات “انت صحافية بيكون عندك معلومات بعد في امل بهالبلد”، فوجئت بالسؤال وقبل ان اجيب، أضافت: “ابني وحيدي طبيب بارع باعتراف الجميع، لكن لم يعد بامكانه تأمين خبزه كفاف يومه في هذا البلد، فقرر المغادرة مع عائلته ويريدني معه، لا اعلم ماذا افعل، إن غادر من دوني فلن يرتاح وان غادرت معه لن تكون هناك عودة، طمنيني اذا كان هناك بارقة امل بامكاني ان اختلق الحجج وتأخير السفر عسى ان يستعيد الوطن عافيته”.

ماذا اقول لها، سألت نفسي؟ هل أطمئن بالها وانا غير مطمئنة ولا اعلم ماذا تخبىء لنا الايام؟ هل اعدد لها اسماء المغادرين الذين اعرفهم وهم كثر، من وحيدتي الى اقربائها الشباب الى رفاقها ورفيقاتها على مقاعد الدراسة وفي الجامعة، الى اصحاب لم يعد بامكانهم تأسيس حياتهم في الخارج ولكن ستكون الغربة ارحم لهم من غربتهم في وطنهم؟.

هل اقول لها ان جارنا خسر وظيفته وبات عاطلا عن العمل وهو مهندس مهم في شركة اقفلت ابوابها في لبنان، ام اخبرها بان جارتنا التي باتت تتقاضى نصف راتب لم يعد بامكانها تأمين ادوية اهلها المزمنة وهي تتمنى لو تحصل على فيزا ولو الى ادغال افريقيا؟.

لن اخبرها بأن صديقنا الذي كان وضعه المادي جيدا بات اليوم يقطن مع عائلته في غرفة صغيرة لانه لم يتمكن من دفع ايجار منزله بعد ان تراجع عمله الى حدود الصفر، كما لن اخبرها عن تلك المرأة التي تطعم اولادها وجبة واحدة يوميا، ولا عن عدد الذين يتوافدون الى الاماكن التي تقدم اطباق محبة مجانا على الغداء ويطلبون، بخاطر مكسور، بعض المأكولات من اجل العشاء.

حالات كثيرة محزنة يشهدها مجتمعنا، فالجوع لامس معظم المنازل والناس مقهورة وتعض على وجعها وتحلم بفيزا و”وان واي تيكيت” والشباب عاطلون عن العمل والصبايا يلوحن بشهاداتهن التي لم تعد تفتح لهن ابواب المستقبل وحالات الانتحار والسرقة والفلتان الامني تزداد بشكل مضطرد واللحوم مفقودة والاجبان باتت كماليات.

من المؤكد ان السيدة التي طرقت باب منزلي تدري بهذا كله واكثر، فبماذا اجيبها وانا احتاج الى من يؤمن لي مرقد عنزة في بلاد الله الواسعة؟ وكيف افتح لها نافذة امل وانا فقدت الامل بوطن خذلني وخذل الكثيرين من امثالي ومثيلاتي؟.

قلت لها من الصعب الشعور بانك مغبون في وطنك وان احلامك وطموحاتك باتت مستحيلة التحقيق، وان كل ما بنيته بتعب وعرق ينهار امام ناظريك.

قلت لها هذا كله واكثر فغادرت ومن المؤكد انها لن تطرق باب منزلي مجدداً.


مواضيع ذات صلة:

  1. رسالة من مواطنة لبنانية الى رئيس الجمهورية… حسناء سعادة

  2. زغرتا تزرع.. للاكتفاء الذاتي من الخضار في الأيام الصعبة… حسناء سعادة

  3. كلام بشظايا حارقة لـ فرنجيه.. هل وصلت الرسالة؟… حسناء سعادة


 

Post Author: SafirAlChamal