هل تتكرّر مأساة الحرب اللبنانية بعد 45 عاماً؟… عبد الكافي الصمد

لم يكن ما حصل يوم السبت الماضي عفوياً ولا بريئاً، ولا بعيداً عن ما يُخطط له في الغرف المغلقة من مؤامرات تستهدف لبنان، وحدة ومصيراً ووجوداً، إلى حدّ أنّ البعض ذهب أبعد من ذلك عندما شبّه النّزاع المذهبي المتصاعد، بعد العبارات والهتافات المسيئة التي أطلقها البعض في تظاهرة السبت، بالتحضيرات الإسرائيلية لاجتياح عام 1982، الذي اقتضى حينها تفكيك عرى المقاومة والناس قبل الإنقضاض عليها.

ما حصل يوم أول من أمس السبت ذهب البعض إلى تشبيهه، من باب المقارنة السلبية، بيوم “السبت الأسود” الذي وقع في 6 كانون الأول عام 1975، بعد أشهر من إندلاع شرارة الحرب الأهلية عامها في 13 نيسان، عندما عثر في ذلك السبت على جثث أربعة مسلحين من حزب الكتائب، ما دفع العناصر الميليشاوية التابعة له لوضع نقاط تفتيش في مرفأ بيروت، حيث قتلت المئات من الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين بناء على بطاقات الهوية، التي كانت آنذاك تدوّن مذهب حاملها. وكان يوم “السبت الأسود” ذلك العام ممهداً لاندلاع إشتباكات على نطاق واسع بين الميليشيات، أدّت حينها إلى انقسام بيروت ولبنان معها، إلى منطقتين شرقية وغربية.

وما جعل مخاوف البعض ترتفع برغم البعد الزمني بين السبْتين، 6 كانون الأول عام 1975 و6 حزيران عام 2020، هو أنّ حزب الكتائب كان قاسماً مشتركاً في المناسبتين؛ إذ مثلما قام عناصره قبل 45 عاماً بتأجيج الحرب الأهلية، كان مناصرو الحزب أول من أمس يقودون تحرّكاً في الشّارع جعل نار النّزاع المذهبي تتأجّج كما لم يحصل من قبل.

فالأجواء التي سبقت حرب عام 1975 تبدو مشابهة لظروف اليوم، ويبدو أنّ كثيرين مستعدين ليكونوا حطباً ووقوداً لها، وكأنّ كلّ الويلات والمآسي التي عانى منها اللبنانيون طيلة 15 عاماً من الحرب التي ما زال طعمها المرّ تحت أضراسهم، لم تكن كافية ليتعلموا منها عدم تكرار تجربة مريرة وكارثية عانوا منها على كلّ الصعد.

وما يزيد الوضع تأزّماً أنّ الوضع اللبناني اليوم، كما الإقليمي، يبدو أكثر تشظياً واهتراء وانقساماً، من الوضع الإقتصادي الذي يشهد إنهياراً لليرة اللبنانية بالتزامن مع أزمة معيشية خانقة جعلت أغلب اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، بينما كان الوضع النقدي والمعيشي في عام 1975 أفضل ممّا هو عليه اليوم.

يضاف إلى ذلك أنّ الوضع الاقليمي كان يشهد حينها إستقراراً وتماسكاً نسبياً بعد حرب عام 1973، أفضل ممّا هو عليه اليوم، والدليل على ذلك أن دخول الجيش السّوري عام 1976 إلى لبنان أسقط مخططات الإنهيار التام والتقسيم، بينما اليوم لا يبدو أن الجيش السوري ولا غيره في وارد الدخول إلى لبنان لمنع الإنهيار والتقسيم، نتيجة المؤامرات الأميركية والإسرائيلية على المنطقة، وجعل دولاً مركزية مثل العراق وسوريا فضلاً عن اليمن وليبيا، تعيش أسرى صراعات وحروب على أراضيها، جعلها تخسر الكثير من دورها ومقومات صمودها وقدرتها على التدخل لمساعدة دول الجوار، وإيقاف انزلاقها نحو قعر هاوية سحيق.

إحتمال تكرار التاريخ مرّة ثانية يجعل المرء يتوقف عندما مقولة شهيرة قالها كارل ماركس، عندما رأى أنّ “التاريخ يعيد نفسه مرّتين، مرّة على شكل مأساة، ومرّة على شكل مهزلة. وما نراه الآن هو المهزلة”.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


Post Author: SafirAlChamal