غياب الدولة ووجود المنظومة السياسية.. قلل من إصابات كورونا في لبنان!!!… بقلم: الدكتور رالف سعادة

يبدو واضحاً أنه بالرغم من أننا في أولى مراحل المرض وأننا لا نفحص مثل باقي الدول، إلا أن إنتشار الفيروس بلبنان يُعد أبطأ من باقي دول أوروبا، والدليل على ذلك هو عدد الإصابات الخطرة في العناية الفائقة، والذي يعتبر نسبياً قليل، والذي لا يمكن إخفائه.

والأسباب برأيي تعود إلى عدة عوامل، أهمها:

أولا: غياب وسائل النقل المشترك في لبنان: إعتماد سكان الغرب بشكل أساسي على وسائل النقل المشترك المكتظة والمغلقة ساعد بشكل أساسي في انتشار الفيروس، أما غياب هذه الوسائل الأساسية في أي مجتمع، فقد ساعد بشكل أساسي لحدّ انتشار الفيروس.

ثانيا: أزمة الدولار، فقد أدت أزمة الدولار في لبنان إلى إنخفاض نسبي بعدد اللبنانيين المسافرين إلى الدول الأوروبية، مما قلل “نسبياً عدد المصابين الآتيين من الخارج.

ثالثا: الأزمة الاقتصادية: نتيجة تراجع سوق العمل، اضطرت معظم الشركات إلى تخفيف من ساعات العمل، مع إجبار الموظفين على أخذ نصف دوام عمل، وزاد عدد العاطلين عن العمل، مما قلل من نسب الاحتكاك.

رابعا: ارتياد المطاعم: يلاحظ ان عدد رواد المطاعم قد تراجع بشكل ملحوظ منذ بداية الأزمة المالية، أقلّه في المناطق خارج بيروت، مما خفف من الاختلاط بين فئات المجتمع. حتى أصبح روتين اللبناني في آخر فترة: من البيت عالشغل، ومن الشغل عالبيت.

خامسا: الخوف من المجاعة: أدت الأزمة الاقتصادية وما تبعها من غلاء بأسعار السلع وفزع من مجاعة قادمة إلى لبنان، إلى تموّن قسم كبير من اللبنانيين قبل تفشي الوباء. أدت هذه الظاهرة إلى تواجد مونة كافية في المنازل ما أدى إلى عدم اكتظاظ المحلات الكبرى.

سادسا: الحروب: مرّ على الشعب اللبناني الكثير من الحروب والأزمات والمجاعات، مما خلق عنده نوع من الحذر يتبعه ردة فعل سريعة عند اقتراب المخاطر (vigilance).  وتجلّى ذلك بالتدابير الفردية التي أخذها قسم كبير من الشعب اللبناني لحماية نفسه.

سابعا: غياب الاحترافية والتخطيط: أدى التخطيط والحسابات الاقتصادية والقانونية إلى تأخر الإغلاق العام في معظم الدول الأوروبية. فمعظم هذه الدول أخذت بعين الإعتبار مخاطر الإغلاق التام على إقتصادها وإغلاق المدارس على مستقبل تلاميذها. أدى هذا التأخر إلى تفشي المرض. أما في لبنان، فأتى إغلاق المدارس بسرعة عند ظهور أول حالات، من دون أخذ مستقبل التلاميذ أو جهوزية التعلم عن بُعد بعين الإعتبار، إلى التقليل من احتمال نقل التلاميذ المرض إلى أهلهم. أما في ما خصّ الاقتصاد فالكل يعلم أنه في موت سريري حتى من قبل الكورونا.

ثامنا: تركيبة المجتمع اللبناني: يسكن عدد غير قليل من اللبنانيين، خاصةً في الأطراف، مع عائلاتهم، أكان في البيت نفسه، أو البناية نفسها وحتى الحي نفسه، ومعظم احتكاكه خارج العمل يكون معهم. لذلك كان من السهل حصر المرض ببعض الأحياء عبر حجر العائلات.

يبدو واضحاً من خلال سرد هذه الأسباب أن غياب الدولة ووجود هذه المنظومة السياسية قد ساعد الشعب اللبناني على تخطي هذا الوباء. ولكنه حتماً لن يمكنه من إجتياز الأزمة الاقتصادية التي ستتبع هذا الوباء.

لذلك، وعند الانتهاء من هذا الوباء، على الشعب اللبناني الاختيار بين فيروس كالكورونا يموت بسببه أقلّ من 10% في أسوأ الأحوال، أو فيروس طائفي – سياسي يموت بسببه ما لا يقلّ عن مئات الألوف بين حروب ومجاعات و 100% من أحلام شعبه.

Post Author: SafirAlChamal