مصلّون في طرابلس خالفوا إجماع الأمّة: عدم الالتزام أكبر خطر… عبد الكافي الصمد

ضرب مواطنون في طرابلس، أمس، عرض الحائط كل الدعوات والمناشدات التي وجهتها مرجعيات إسلامية في لبنان، دار الفتوى والمفتي عبد اللطيف دريان، وفي العالم الإسلامي، كالسعودية ومصر وتركيا، والتي تقضي بعدم إقامة صلاة الجمعة، والإبتعاد عن التجمّعات، والتزام قرارات وزارات الصحّة ومنظمة الصحّة العالمية بضرورة إلتزام الحجر الصحّي المنزلي، حرصاً على حياتهم خشية تفشي فيروس “كورونا” بينهم.

إذ أصرّ بعض هؤلاء على الذهاب إلى بعض المساجد التي لم تلتزم بقرار الإقفال، وأدّوا صلاة الجمعة وكأنّ شيئاً لم يكن، إلى حدّ أن بعض هذه المساجد إكتظت بالمصلين ما اضطرهم لتأدية الصلاة في باحات المساجد الخارجية وعلى الأرصفة وفي الشوارع المحيطة بها.

خروج هؤلاء المصلّين على إجماع علماء الأمّة جاء إعتباطياً وعشوائياً، وإن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على جهل كبير. إذ أنّ هؤلاء المصلّين لم يلتزموا بفتاوى كلّ المرجعيات الدينية على اختلافها، ولا حتى حتى فتاوى الذين خرجوا على هذا الإجماع، إذ اشترط هؤلاء على من يأتي إلى المساجد لتأدية صلاة الجمعة، في هذه الظروف، أن يتخذ الإحتياطات الطبية المطلوبة: من إرتداء كمّامة، وأن يجلب معه سجادة الصلاة الخاصة به، وأن يتوضأ في بيته لا في المسجد، لكن تبين أن كثيرين لم يلتزموا حتى بهذه الإحتياطات، ولعلّ إلقاء نظرة على صورة المصلين في هذه المساجد تكشف ذلك للأسف.

وفي حين وُجّهت إنتقادات واسعة إلى هؤلاء المصلّين، لأنهم لم يضرّوا أنفسهم فقط، بل إنّ خطوتهم هذه من شأنها أن تهدّد مجتمع مدينة طرابلس والشّمال بأكمله، نشر بعض المشايخ والناشطين على منصات وسائل التواصل الإجتماعي، قصّة من تاريخ بلاد الشام مشابهة لما يحصل اليوم، عندما ضرب وباء الطاعون هذه المنطقة، قبل قرابة 800 سنة، ليقارنوا بين الأمس واليوم، وكان التاريخ يكرّر نفسه.

تقول القصة:

“في عام 749 للهجرة ضرب طاعون بلاد الشّام، سمّي بالطاعون الكبير، ولأنّ النّاس لم يكن عندها الوعي اللازم حيال مثل هذه الأوبئة، فإنّها كانت تتخذ قرارات تظنّ أنّها تساعد في محاربة الوباء، لكنها كانت تؤدي إلى توسّع رقعة إنتشاره بين البشر.

ففي كتابه (بذل الماعون في فضل الطاعون)، يختم الحافظ إبن حجر العسقلاني، المتوفى سنة (٨٥٢ هجري) رحمه الله تعالى، فصول الكتاب بفصلٍ ذكر فيه بعض ما قيل في وصف الطاعون، نقل فيه مقامة إبن الوردي الحلبي في الطاعون الكبير، والتي أسماها (النبا في الوبا)، وأتبعها بنقل من كتاب وصف الطاعون الكبير لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة (٧٢٥ – ٧٧٦) ، فقال: “في شهر ربيع الأول – أي من عام ٧٤٩ – إجتمع الناس على قراءة صحيح البخاري، وقرأوا سورة نوح بمحراب الصحابة ٣٣٦٣ مرّة، إتباعاً لرؤية رآها رجل، ودعوا برفع الطاعون، فازداد”. فكانت إجتماعاتهم من أسباب سرعة إنتشار المرض، الذي من طبيعته أنه ينتقل من شخص إلى آخر. وكانوا كلما كثرت إجتماعاتهم كثرت وفَياتهم.

فقد جاء في كلام إبن أبي حجلة أنه “نودي في البلد بصوم ثلاثة أيام، ففعلوا. ثم وقفوا بالجامع كما يفعلون في شهر رمضان، ثم خرجوا يوم الجمعة ١٧ الشهر إلى مسجد القَدَم، فتضرّعوا إلى الله تعالى في رفع الطاعون، وخرج النّاس من كل فجّ عميق، حتى أهل الذمّة والأطفال، وانتشروا في الطرقات، وأكثروا التضرّع والبكاء، ولم يزدد الأمر إلا شدّة، ولا الموت إلا كثرة”.


مواضيع ذات صلة:

  1. زيارات دياب الخارجية تربكه: دولٌ تُحرجه ودولٌ تتجاهله… عبد الكافي الصمد

  2. خلاف المستقبل ـ القوات: حكومة دياب المستفيد الأوّل… عبد الكافي الصمد

  3. الباب السّوري مخرجٌ لأزمات لبنان الإقتصادية.. هل تطرقه حكومة دياب؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal