دخل لبنان في حال مراوحة قاتلة، فالحكومة العتيدة في علم الغيب، في ظل تنامي العقد والعراقيل، وعدم وجود آفاق لحلها، وفي ظل غياب الحماس الذي رافق التكليف بشكل مفاجئ، ما يطرح سلسلة تساؤلات حول ماذا ينتظر الرئيس المكلف سعد الحريري حتى ينجز مهمته؟، أو حتى يصارح اللبنانيين بما يؤخر ولادة حكومتهم؟، في وقت بدأت فيه الأصوات تتعالى مطالبة بسرعة التشكيل لمواجهة الضغوطات السياسية والاقتصادية والمالية التي يواجهها البلد. يبدو واضحا أن الرئيس الحريري في وضع لا يُحسد عليه، فكل يوم يمر من دون حكومة يأكل من رصيده، خصوصا في ظل الحديث المتنامي في الصالونات السياسية بأن حل بعض العقد الحكومية يجري بعيدا عن بيت الوسط، لا سيما على صعيد صراع الثنائي المسيحي، والصراع الدرزي، فيما يستمر ملف التجنيس بالضغط عليه لما شابه من غموض وملابسات، وإعتراف وزارة الداخلية التي نشرت المرسوم بأن هناك شبهات حول بعض الأسماء يعمل الأمن العام على التدقيق بها، ما يشير الى أن الداخلية وضعت ″العربة قبل الحصان″، خصوصا أن عمليات التدقيق في الأسماء ونظافة سجلاتها الدولية من الاتهامات أو الملاحقات كان يجب أن يتم قبل أن يوقع رئيسي الحكومة والجمهورية على المرسوم ككل.
ومما زاد الطين بلة أمس، هو القرار الحاسم الذي إتخذه وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل بإعطائه تعليمات الى مديرية المراسم بإيقاف طلبات الاقامات لصالح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، وهو قرار يراه كثير من المراقبين أنه إستراتيجي يخص الدولة اللبنانية وحكومتها مجتمعة، وأن باسيل بقراره إختزل موقع رئيس الحكومة وصادر صلاحياته، إضافة الى إختزاله وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية وشؤون النازحين، والدفاع والعدل والتربية والصحة وغبرها.
ويبدو أن هذا القرار الذي لم يعلق عليه رئيس الحكومة حتى الآن، سيؤدي الى سجالات قد لا تنتهي وهي بدأت أمس بانتقاد وزير التربية مروان حمادة الذي إعتبر أن باسيل تصرف ″وكأن لا حكومة راحلة ولا حكومة قادمة ولا مجلس نواب جديد ولا معايير متفق عليها ضمن الدولة بقرار من الحكومة واللجنة الخاصة بالملف وبالتلازم مع شرعة حقوق الإنسان″.
في حين اعتبر وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أنّ ″قرار باسيل منفرد ولا يلزم أحدا، داعيا المجتمع الدولي الى فرض عقوبات على باسيل″.
كل ذلك يحصل في ظل غياب الرئيس سعد الحريري الذي بات واضحا أنه يتعرض لمصادرة صلاحياته سواء في عملية تشكيل الحكومة، أو في القرار المفاجئ الذي إتخذه باسيل من دون أن يكون لرئيس حكومة تصريف الأعمال أي رأي فيه، الأمر الذي يضع البلد برمته أمام مخاطر دستورية، لا سيما بما يتعلق بهيبة الموقع السني الأول، وصلاحيات رئيسه التي أعطاه إياها إتفاق الطائف، وهو أمر بدأ يتجاوز التكليف والتأليف وكل القضايا السياسية الأخرى كونه يهدد الصيغة اللبنانية برمتها، الأمر الذي يستدعي من الرئيس الحريري مراجعة ثوابت دار الفتوى، والكف عن التفرد، والالتفاف حول رؤساء الحكومات السابقين والقيادات السنية الأخرى لتدعيم موقفه كرئيس لحكومة تصرف الاعمال وكرئيس مكلف، خصوصا أن ما يتعرض له الحريري سواء في تشكيل الحكومة، أو بتغريد بعض الوزراء خارج سرب حكومة تصريف الأعمال (باسيل نموذجا)، هو أمر لا يبشر بالخير..
مواضيع ذات صلة:
-
من يشكل الحكومة.. سعد الحريري أم جبران باسيل؟… غسان ريفي
-
الحريري يستخير الله في السعودية.. ما الذي يدعوه الى التفاؤل؟… غسان ريفي
-
الحريري أمام ثلاثة خيارات.. ومهمة الدفاع عن صلاحياته… غسان ريفي