تشكل الانتخابات النيابية في الكورة إنعكاسا لتوافق القوى السياسية الكبرى التي تمتلك نفوذا قويا في هذا القضاء المتنوع والمشهود له بأنه “يتنفس سياسة”، لكنه لم ينجح في إنتاج قيادات مستقلة أو تيارات محلية تستطيع أن تفرض حضورها ضمن المعادلة اللبنانية، باستثناء نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي أعطى الكورة أعلى منصب سياسي أرثوذكسي في الدولة على مدار ثماني سنوات، وشكل رافعة في دورات إنتخابية سابقة لحلفائه، ولم يكن ضمن منظومة تيار المستقبل، بل كان حليفا له، وصاحب كلمة مسموعة لدى الرئيس سعد الحريري، ما جعله يمتلك ويفرض قرارا كورانيا في محطات عدة، وهو كانت له اليد الطولى في إبصال النائب فادي كرم الى البرلمان في الانتخابات الفرعية.
هذه الميزة الوحيدة التي كان يشكلها الرئيس مكاري ستفقدها الكورة في الانتخابات النيابية المقبلة، مع إعلانه بأنه ″غير مرشح وأنه لن يكون له أي مرشح، وأن من يسميه تيار المستقبل في الكورة سينال صوته″، ما سيجعل القضاء الأخضر الذي سيفقد بعد الانتخابات منصب نائب رئيس مجلس النواب، ينتظر نتائج التحالفات السياسية التي سيصار الى إسقاطها عليه.
يمكن القول أن ملامح التحالفات بدأت تظهر في قضاء الكورة الذي يجتمع مع زغرتا وبشري والبترون في دائرة الشمال الثالثة، وهو من المفترض أن يكون جزءا من أربع أو خمس لوائح ستتنافس على مستوى الدائرة ككل.
تشير المعلومات الى أن صورة لائحة تحالف تيار المردة مع الحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب بطرس حرب والمرشح وليام طوق في بشري، بدأت تظهر في الكورة من خلال الوزير السابق فايز غصن(ممثلا للمردة) والنائب السابق سليم سعادة الذي إتخذ الحزب القومي قرارا نهائيا بترشحيه حيث سيكون على لائحة أسماء مرشحي الحزب التي سيعلنها اليوم رئيسه حنا الناشف، وذلك بعد تباينات ومماطلة، أدت الى قيام سعادة بإبلاغ رئيس حزبه بعزوفه عن الترشيح، الأمر الذي أثار حالة غضب في صفوف القاعدة القومية في الكورة الذين هددوا تارة بترشيح عدد من القوميين وتارة أخرى بمقاطعة الانتخابات، حيث أن التنافس كان على أشده بين سعادة والمقرب من الحزب غسان رزق، إلا أن الضغط القومي الكوراني أعاد الأمور الى نصابها وساهم بتثبيت سعادة كمرشح عن قضاء الكورة لينضم بذلك الى التحالف الذي قد ينضم إليه أيضا المرشح مسعد بولس (من كفرعقا) ليكتمل بذلك عقد المرشحين مبدئيا في القضاء ضمن هذه اللائحة.
أما التيار الوطني الحر فيكتفي حتى الآن بترشيح جورج عطالله، حيث تشير المعلومات الى أن قيادة التيار لا تريد أكثر من مرشح واحد في الكورة بهدف حصر الأصوات وتجييرها للحاصل الانتخابي الذي يمكن أن يستفيد منه رئيس التيار في البترون.
في حين ترشح القوات اللبنانية نائبها فادي كرم، وهي في حال قررت أن تخوض الانتخابات بمفردها في هذه الدائرة من دون تحالفات مع أي تيار سياسي آخر، فإنها قد تتجه الى ترشيح جو حبيب، نجل النائب الراحل فريد حبيب، وشخصية حليفة للقوات ربما تكون النائب نقولا غصن في حال لم يتبن تيار المستقبل ترشيحه مجددا، علما أن كثيرا من أبناء الكورة يصفونه بالنائب “الشبح” نظرا لغيابه الكامل، وإبتعاده عن الكلام في مجلس النواب وعن التصريحات وعن الخدمات وعن القيام بالواجبات.
لا تنطبق رغبة الرئيس سعد الحريري بعدم التحالف مع أحد، على الكورة أو ضمن الدائرة الثالثة شمالا، التي لا تضم أي نائب من الطائفة السنية، لذلك فإن تيار المستقبل سيجد نفسه مضطرا للتفتيش عن تحالفاته إما مع التيار الوطني الحر الذي قد يكمل لائحته الكورانية بمرشح أو أكثر من المستقبل، أو مع القوات اللبنانية حيث سيتم الاختيار بين النائب نقولا غصن، أو نبيل موسى أو الدكتور ميشال نجار، أو مع تيار المردة وهو أمر مستبعد لكن كل شيء ما يزال ممكنا، وعندها يحل المرشح المستقبلي بدلا من مسعد بولس.
ولا شك في أن تحالف المستقبل مع أي تيار سياسي سيمنحه كتلة أصوات وازنة، حيث يشكل الناخبون السنة بيضة القبان في الكورة حيث يصل عددهم الى نحو ستة آلاف ناخب يتوزع قسم منهم بين تيار العزم وتيار الكرامة، والجماعة الاسلامية والمردة، لكن الأكثرية من المفترض أن تسير بتوجهات المستقبل، إلا في حال كان لها مآخذ سياسية وخدماتية على زعيم المستقبل، يضاعف منها غياب الرئيس فريد مكاري عن الساحة، لكن في كل الأحوال فإن ما سيبقى من أصوات سنية مستقبلية في الكورة أو على مستوى الدائرة ستشكل إحراجا كبيرا للحريري لجهة تجييرها، وهو سيكون عليه أن يختار بين شريكه جبران باسيل أو حليفه اللدود سمير جعجع، أو صديقه سليمان فرنجية.
ومن المفترض أن تشهد الكورة حراكا للمرة الأولى للمجتمع المدني الذي يمثله بسام غنطوس، إضافة الى حزب الكتائب الذي قد يكون الى جانب المجتمع المدني وتشير المعلومات الى أنه سيرشح سيدة كورانية، فضلا عن الحزب الشيوعي الذي قد لا يكون بعيدا عن أي حراك ضد لوائح السلطة.