طروحات التعديل والتأجيل: إلى المجهول دُرّ… عبد الكافي الصمد

موقفان شماليان صدرا أمس وعبّرا بوضوح عن رفضهما إدخال أية تعديلات على قانون الإنتخابات النيابية، في هذا التوقيت، إنطلاقاً من إعتبارات عدة أبرزها أن فتح الباب أمام ادخال تعديلات على القانون سوف يعني أولاً تأجيل إجراء الإنتخابات للمرّة الرابعة منذ التأجيل الأول عام 2013، ونسف مشروع القانون الحالي، بما قد يؤدي إلى إلغائه ثم الدخول في دوّامة التجاذب حول حجم التعديلات المقترحة، يعرف اللبنانيون أين تبدأ ولكنهم لا يعرفون أين ومتى ستنتهي.

الموقف الأول أطلقه الرئيس نجيب ميقاتي من طرابلس، عندما أبدى إستغرابه “عودة الحديث عن طلب تعديل قانون الإنتخاب من قبل الحكومة بدل الإنصراف إلى استكمال الإجراءات الإنتخابية، وفي مقدمها شرح تفاصيل العملية الإنتخابية للبنانيين”، متسائلاً: “هل يعقل قبل ثلاثة أشهر تقريبا من موعد الإنتخابات، أن يتواصل الحديث في تعديل القانون بدل الإنصراف إلى إقامة ورش عمل مكثفة تشرح القانون للعموم، وتحضّر الجهاز البشري الذي سيتولى إجراء الإنتخابات، وتحسم آلية الإقتراع واحتساب الأصوات وإعلان النتائج، في ظلّ تعدد التفسيرات القانونية لذلك؟”.

أما الموقف الثاني فأعلنه وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، قبل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس في السراي الحكومي برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، عندما أكد أن “موقفنا موحد مع حركة أمل، وهو أن أي تعديل هو تأجيل للإنتخابات”.

رفض ميقاتي وفنيانوس، بما يمثلان سياسياً وشعبياً، لإدخال أية تعديلات على قانون الإنتخابات النافذ، الذي أقره مجلس النواب بعد جهد وتجاذب كبيرين، يعود لتخوفهما من أن تكون “حجّة” التعديلات المقترحة على القانون “مقدمة” لنسفه، ومعها تطيير الإنتخابات النيابية برمتها، وإدخال البلد في المجهول.

لكن رفض الدخول في متاهة إدخال تعديلات على قانون الإنتخابات لا يقتصر على ميقاني وفنيانوس، إذ أن هناك قوى سياسية عدة ترفض فكرة تعديل القانون الآن، خشية أن يكون ذلك مقدمة للعودة إلى قانون الستين، أو إقرار قانون إنتخابي جديد يكون أسوأ من الحالي، معتبرة أنه كان يمكن إقرار هذه التعديلات أيام إقرار القانون في المجلس النيابي، خصوصاً أن تأجيل الإنتخابات للمرّة الأولى عام  2013، كانت إحدى حججه عدم الإنتهاء من إقرار قانون انتخابي جديد، مع أنه كانت هناك فترة زمنية كافية قاربت 4 سنوات من أجل إدخال التعديلات المطلوبة، ولكن التلكؤ واللامبالاة وعدم الجدّية في التوصل إلى أي قانون إنتخابي، جعل المهل الزمنية تمضي وتضيع عبثاً.

ولم يعد خافياً أن دعوات تعديل القانون الإنتخابي الصادرة عن بعض القوى والتيارات والأحزاب السياسية، يعود إلى جملة أسباب ليس من بينها الحرص على القانون أو على صحّة التمثيل أو تأمين العدالة لجميع الفرقاء، بل هي نابعة من مخاوف لديها من تلقيها خسائر وهزائم في الإنتخابات، لم تكن في حسبانها يوم إقرار القانون على عجل وتحت ضغط المهل الزمنية، فضلاً عن عدم وجود أموال كافية لديها للقيام بحملاتها الإنتخابية كما اعتادت في السابق، و”شراء” أصوات الناخبين واسمتالتهم.

غير أن ما غاب عن بال هؤلاء، هو أنه في حال أجلت الإنتخابات بهدف إدخال التعديلات المطلوبة على القانون الإنتخابي، فإن واقع الأمر على الأرض سيؤدّي إلى أحد أمرين: الأول فرض قانون إنتخابي قد لا يكون أفضل من الحالي، ولا يلبي رغباتها، مثل إقرار قانون إنتخابي يعتمد النسبية الكاملة على أن يكون لبنان كله دائرة إنتخابية واحدة خارج القيد الطائفي؛ والثاني الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي ينسف الواقع السياسي الحالي برمته.

Post Author: SafirAlChamal