كان الرئيس الراحل عمر كرامي يردد دائما: ″إن طرابلس لا تحتاج الى دراسات لانجاز المشاريع الانمائية، لأن مشاريعها منها وفيها، وهي موجودة وواضحة للعيان، لكنها تحتاج الى قرار رسمي″.
في 28 أيلول الجاري ستعقد الحكومة جلسة لها في سراي طرابلس، ستخصصها للبحث في مشاريع المدينة التي ما تزال رغم كل الوعود المعسولة، تعاني أسوأ أنواع الحرمان والاهمال والتهميش.
منذ العام 1992 وطرابلس تنتظر الفرج من حكومات الانماء والاعمار، وهي لطالما إحتفلت بدراسات الخطط التطويرية التي أقرتها حكومات ما بعد العام 2005، لتجد نفسها أنها أهدرت ربع قرن من الزمن على أبواب الانتظار.
بالأمس إجتمعت اللجنة التحضيرية من أجل إعداد دراسات حول مشاريع طرابلس لتطرح على طاولة الجلسة الطرابلسية لمجلس الوزراء، بينما الأمر لا يحتاج الى أي من هذه الدراسات، لأن مشاريع المدينة واضحة، أقله بما يتعلق بـ “جمهورية ميم” المؤلفة من: معرض، مصفاة، مطار، محطة التسفير، محطة السكة الحديد، ومرفأ طرابلس الذي إخترق جدار الحرمان وأبصر مشروع تطويره النور، لكنه ما يزال يحتاج الى قرض البنك الاسلامي لاتمام هذا التطوير.
يضاف الى ذلك بعض الوعود الفاقعة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري لطرابلس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، العشرين مليون دولار التي قرر منحها للمدينة بعد إنطلاق الخطة الأمنية، والمشاريع التي أطلقها مع فريق عمله الانمائي مباشرة على الهواء، في برنامج كلام الناس على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال مع الزميل مرسال غانم إثر إنتهاء جولات العنف بين التبانة وجبل محسن والتي لم يتحقق منها شيئا على الاطلاق.
وإذا كان مجلس الوزراء قرر أن يعقد جلسته في طرابلس للاطلاع على أوضاعها عن قرب، فانه من الضروري الاشارة الى أن مشاريع طرابلس تقسم الى أربعة أقسام:
أولا: مشاريع أقرت ولم تنفذ!.
ثانيا: مشاريع أقرت وبدأت وتواجه التعطيل!.
ثالثا: مشاريع بدأت ولم تصل الى خواتيمها بالرغم من إنتهاء مدة التنفيذ منذ سنوات وفي مقدمتها محطة التكرير التي دشنها الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2009 قبل أن تصلها المياه المبتذلة وهي ما تزال تنتظر، والأوتوستراد الغربي الذي يربط الميناء بالبداوي الذي دشن الرئيس الحريري القسم الأول منه بعد ثماني سنوات على البدء بتنفيذه، فيما يبقى القسم الثاني منه في علم الغيب.
رابعا: مشاريع إنطلقت وكانت وبالا على المدينة بفعل سوء التنفيذ والتشويه الذي تسببت به وأكبر دليل على ذلك مشروع الارث الثقافي الذي شكل كارثة حقيقية على المدينة القديمة، وتتضافر الجهود حاليا لانقاذه.
بحسب الوعود الحكومية منذ العام 2002، كان من المفترض وبحسب ورقة العمل الموحدة التي وضعت في مؤتمر إنماء طرابلس الذي عقد في السراي الحكومي بدعوة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبمشاركة كل قيادات المدينة، أن يكون العام 2011 هو المحطة الأخيرة التي يستقر فيها قطار المشاريع الانمائية للعاصمة الثانية والتي بلغ عددها الاجمالي آنذاك 80 مشروعا، وذلك بهدف إخراجها من واقعها المأزوم.
إلا أن المفارقة المؤسفة في طرابلس، أنها مع دخول العام 2011 وبدلا من أن تنعم بانجاز المشاريع التي أقرت لها منذ تسع سنوات، تعطلت أوجه الحياة فيها، لتدور عجلة التوترات الأمنية وجولات العنف التي حوّلت الفيحاء الى صندوق بريد وساحة مفتوحة لتبادل الرسائل النارية المتفجرة، بهدف مواجهة الرئيس نجيب ميقاتي وإسقاط حكومته من مدينته، فتنامت الفوضى وغابت الرقابة على المشاريع وعاثت الشركات المتعهدة فسادا في المدينة من دون حسيب أو رقيب، وبرغم كل ذلك تمكنت حكومة ميقاتي من إقرار مئة مليون دولار لطرابلس، ومن تمويل إنجاز عدة مراحل من المبنى الجامعي الموحد، ومن مرفأ طرابلس، وإنجاز القاعة الرياضية في الميناء بعد أربعين عاما من الانتظار، إضافة الى تمويل محطة التحويل الكهربائية، وإطلاق وتنفيذ بعض المشاريع الصغيرة المتعلقة بالبنى التحتية والتزفيت وسوق الخضار
ومع تشكيل حكومة المصلحة الوطنية برئاسة الرئيس تمام سلام، إنطلقت الخطة الأمنية في طرابلس، وتزامن ذلك مع وعود قاطعة بأن تترافق مع خطة إنمائية تتضمن تنفيذ مشاريع إنتاجية توفر فرص عمل للشباب، والسعي من أجل النهوض بالمدينة إقتصاديا وسياحيا وثقافيا للحد من الفقر المتنامي فيها.
لكن طرابلس التي تلقت جرعة جديدة من الوعود “العرقوبية”، وجدت نفسها أمام تطبيق خطة واحدة تتعلق بحفظ الأمن والاستقرار، أما الخطة الانمائية الموعودة فلم يتم الافراج عنها، بينما وضعت المئة مليون دولار التي أقرتها حكومة ميقاتي في خدمة إنشاء مرآب التل الذي أسقطه المجتمع المدني، إضافة الى إقامة المنطقة الاقتصادية الخاصة التي تحتاج الى سنوات لكي تبصر النور، وتأهيل السكة الحديد من الميناء الى الحدود اللبنانية ـ السورية وهذا المشروع ما يزال في علم الغيب كونه يرتبط بالأزمة السورية.
وللعلم فان المئة مليون دولار عندما أقرتها حكومة ميقاتي كانت مخصصة لتحسين واقع طرابلس من بنى تحتية، وتزفيت طرقات، وإنشاء جسور لحل أزمة السير، وإستملاكات، ووضع الشارات الضوئية، وإنشاء مركز لوزارة الصحة لتوزيع الأدوية المزمنة، وتأهيل قلم نفوس طرابلس، وإستكمال إنشاء سوق الخضار، وتفعيل المستشفى الحكومي، فضلا عن تأهيل كل المباني في المناطق الشعبية المتضررة من الأحداث في التبانة والقبة وجبل محسن وواجهة المنطقة التي يقام فيها مشروع الارث الثقافي، وهذه كلها مشاريع ملحة تساهم في تحسين واقع طرابلس لكنها ضُربت جميعها بعرض الحائط لمصلحة المشاريع الثلاثة.
لذلك فإن من أولى مهمات مجلس الوزراء في جلسته الطرابلسية هو الافراج عن المئة مليون دولار، فضلا عن إتخاذ القرارات المناسبة بشأن المشاريع التالية:
ـ الافراج عن ملف شركة نور الفيحاء من أدراج وزارة الطاقة لتنعم طرالس بالتيار الكهربائي 24 ساعة متواصلة.
ـ تفعيل معرض رشيد كرامي الدولي، وإنجاز المسرح الفني “دوم” وإقامة متحف للعلوم التكنولوجية او المدينة التكنولوجية، وتشغيل الجناح اللبناني.
ـ تأهيل وتشغيل مصفاة النفط ووقف الهدر المتعلق بالتوظيفات المستمرة بالرغم من توقفها عن العمل.
ـ تشغيل مطار الرئيس الشهيد رينيه معوض في القليعات، وإقامة منطقة حرة فيه.
ـ إستثمار جزر الميناء على طريقة BOT لاقامة مشاريع سياحية بيئية وصحية.
ـ إعادة تنظيم المرور وتخطيط أماكن الوقوف في المدينة، وتامين شبكة النقل المشترك بين طرابلس وأقضية الشمال، توسيع الطرق حول قلعة طرابلس، وتأهيل وسط المدينة.
ـ تنشيط القطاعات الصناعية من خلال المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات IDAL ودراسة اوضاعها (المفروشات، الحرف التقليدية، الألبسة الجاهزة، صيد السمك وغيرها).
هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد البلدي، فان العديد من المشاريع ما تزال متوقفة أبرزها: تحويل ملعب رشيد كرامي البلدي الى مجمع رياضي، إقامة مبنى لمعهد العلوم التطبيقية والاقتصادي CNAM، إقامة محطة إنطلاق للسيارات العمومية جنوبي وشمالي المدينة، إقامة سوق موحد مطابق للمواصفات للباعة المتجولين (1200 بائع متجول) مشروع دعم القطاع الحرفي، تأهيل خان التماثيلي في الميناء، وتشغيل خان العسكر بعد إنتهاء مشروع تأهيله.
كما على مجلس الوزراء أن يكون على إطلاع بالانخفاض الحاد لقدرة المواطن الطرابلسي على الانفاق، وبنسب الفقر 68 بالمئة، والبطالة 42 بالمئة، والتسرب المدرسي 58 بالمئة.
لا شك في أن أبناء طرابلس ستطلعون بعين الأمل الى جلسة مجلس الوزراء المخصصة للمدينة، فاما أن تكون الحكومة على قدر تطلعات الطرابلسيين، وإلا فان المدينة لن تسامح كل من يتهاون مجددا بحقوقها.