أكثر من مُعبّر كان الإفطار الأخير بمناسبة شهر رمضان الذي أقامه رئيس الحكومة سعد الحريري غروب يوم السبت الماضي، إن في دلالة المكان وهو دارة آل الحريري في مجدليون ـ صيدا، أو في المواقف التي أطلقها في إفطار شاء الحريري أن يصفه بأن ″ختامه مسك″، كون الإفطار عاد به إلى جذوره.
وكالعادة، غلب الطابع الإنتخابي على جميع خطابات الحريري في الإفطارات التي أقامها في المناطق اللبنانية، إذ كان يحرص على ذكر أغلب المشاريع الإنمائية في هذه المناطق، ذاكراً بالإسم مناطق وقرى وأحياء، لاقناع الرأي العام أنه مطلع على مشاكله في مناطقه، وأنه يتابعها عن كثب، ويسعى لإيجاد الحلول لها، مع أن إجراء مقارنة بين خطاباته هذا العام وخطاباته في الأعوام السابقة، تظهر أنها نسخة طبق الأصل عن بعضها، إذ بقيت الوعود والجمل الإنشائية والمكان على حالهم، وتغيّر الزمان فقط.
غير أن ثمّة نقاط يستدعي التوقف عندها في خطاب الحريري الرمضاني الأخير، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام. وأبرز هذه النقاط هي:
أولاً: غاب كلياً عن خطاب الحريري أي عبارة أو كلمة أو حتى تلميح سلبي تجاه حزب الله وخصومه اللبنانيين والنظام السوري، مع أنه كان يحرص في جميع خطاباته السابقة على أن يأتي على ذكرهم ولو بشكل عابر.
ثانياً: كرّر الحريري كلامه عن خط الإعتدال الذي يمثله، مهاجماً في الوقت ذاته التطرّف الذي غرّر بـ″عدد ضئيل″ من الشبان، وواعداً بأنه سيعمل لإقرار عفو عام عنهم، محاولاً بذلك كسب شارع الإسلاميين قبيل الإنتخابات النيابية المقبلة.
ثالثاً: شنّ الحريري في خطابه هجوماً حاداً على أطراف لبنانيين، لم يُسمّهم، عندما اعتبر المشكلة في البلد هي بوجود ″أناس يضعون مصلحتهم في المقدمة″، بينما هو يعطي ″الأولوية لمصلحة البلد″، منتقداً من يتحدث عن تناقض موهوم وصراع مزعوم بين المجتمع المدني و″مشروعنا السياسي″، ومتهمّاً ″الغرف السوداء″ بأنها تقف خلف هذه الشائعات التي تعود إلى أيام والده.
ومع أن جميع النقاط تستدعي التوقف عندها لتحليلها، إلا أن النقطة الثالثة تبدو أشد النقاط أهمية، ذلك أن الحريري الذي عكف مؤخراً للرد على كل من ينتقده في لبنان، معبّراً بذلك عن ضيق صدر، لزم صمتاً مطبقاً حيال إنتقاد جاءه من خارج الحدود، وتحديداً من السعودية، وليّ أمره السياسي ووليّ نعمته المالي، ما أجبره على أن يلزم الصمت، وأن لا يكلف نفسه عناء الرد لا هو ولا مكتبه الإعلامي الذي لا يترك شاردة أو واردة تتعلق بالحريري إلا ويردّ عليها.
ففي مقال مشترك للصحافيين حازم صاغية وحسام عيتاني، في جريدة ″الحياة″ الممولة سعودياً، إنتقد صاغية وعيتاني الحريري كما لم ينتقده أحد من خصومه في لبنان، السياسيين والإعلاميين، إذ اعتبرا أن فكرة إنشاء ميليشيا عام 2008 كانت ″فصلاً إضافياً في كتاب الفساد المتفرّع من الحريرية″، وأن تلاوة بيانه الوزاري في حكومته الأولى عام 2009 كان ″فضيحة″، لأنه ″لم يتوقع أحد أن تكون سنواته في الصفوف الإبتدائية مرّت عليه مرور الكرام″، وأنه كان ″خطيباً فاشلاً″.
صاغية وعيتاني اللذان أوضحا في مقالهما أن الحريري ″يعاني أوضاعاً مالية لا يحسد عليها″، أشارا إلى أنه ″لا يشبهنا إجتماعياً، فهو عاد إلى لبنان أكثر سمنة مما كان عليه عندما غادره، لكن أوضاعه المالية المتراجعة جعلت النحول يصيب العاملين في مؤسساته″ (لو نُشر هذا الكلام في صحف لبنانية لوُصف بأنه شماتة، أو أنه خروج على قواعد وأخلاق مهنة الصحافة).
لكن النقد الأشد قسوة الذي وجهه صاغية وعيتاني إلى الحريري قولهما إنه ″على وريث رفيق الحريري أن يكون شجاعاً ومحنكاً ومجرباً وكاريزمياً في آن معاً، لكن كان واضحاً نقص المتوافر من هذه المواصفات″.
في الآونة الأخيرة دَرَج الحريري على اتهام كل من ينتقده بأنه يعمل في ″الغرف السوداء″، وأنه ″ضد مصلحة البلد″، وصولاً إلى حدّ الردّ بفجاجة على كل من يهاجمه بقوله: ″يلي مش عاجبو يروح يبلط البحر″، فهل بمقدور الحريري أن يرد على صاغية وعيتاني، ومعهما جريدة ″الحياة″ والسعودية التي تقف خلفها، بعبارة مماثلة؟.