ضجّت وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الإجتماعي، أمس، بما أوردته المنظمات الدولية المعنية بشؤون النازحين السوريين من أرقام، أبرزها أن عدد هؤلاء النازحين في لبنان قد قارب مليوناً وستمائة ألف نازح، وأن 300 ألف إمرأة من بينهم هنّ حوامل وسيلدنّ هذا العام، ما يعني أن العام الجاري لن ينقضي إلا ويكون عدد النازحين السوريين في لبنان قد قارب مليوني نسمة.
هذه الحقيقة لم تعد خافية على أحد، لكن الأرقام الدقيقة لم تكن متوافرة ومنتشرة على نطاق واسع، ومن الوقائع والأمثلة الملموسة على ذلك، أن أكثر من 70 في المئة من معدلات الولادة في المستشفى الحكومي في طرابلس هي من نصيب نساء سوريات، فضلاً عما سجلته نسبة ولادة الأطفال السوريين في إحدى القرى الشمالية، خلال شهر نيسان الماضي، حيث ناهزت نسبتهم عدد الأطفال اللبنانيين الذين وُلدوا أثناء الفترة نفسها في تلك البلدة.
هذه الأزمة المستفحلة للنازحين السوريين في لبنان تتفاقم يوماً بعد يوم، وتترك وراءها تداعيات إجتماعية وإقتصادية وأمنية كبيرة، تقف حيالها السلطات اللبنانية شبه عاجزة، لأنها لم تتعامل مع أزمة النازحين السوريين، منذ يومها الأول، بالجدّية المطلوبة ومن منظور صحيح، وعانت من إفتقارها لرؤية إستراتيجية لمواجهتها، ما جعلها اليوم تقف حائرة لا تعرف سبيلاً إلى احتواء هذه الأزمة وتدارك مخاطرها المنتظرة.
تفاقم هذه الأزمة وأعباءها المختلفة على لبنان، دفع أكثر من جهة محلية إلى دعوة الحكومة اللبنانية للتواصل مع الحكومة السورية لإعادة بعض هؤلاء النازحين ولو على نحو تدريجي إلى مناطق آمنة داخل سوريا، لكن جهات سياسية لبنانية معارضة للنظام السوري رفضت فتح أي قناة حوار معه ″كي لا يكسب بذلك شرعية″، وفق قولها.
غير أن من يعارضون مفاوضة الحكومة السورية لهذا الغرض، غاب عن بالهم أمرين في غاية الأهمية: الأول أن عدداً كبيراً من هؤلاء النازحين لا يفكر أو لا يرغب في أن يعود إلى بلاده، ليس لأسباب أمنية فقط، إنما لأنهم وجدوا في لبنان أبواباً للرزق وكسب المال لم تكن متاحة لهم في سوريا، ولأن عودة دورة الحياة الإقتصادية والبدء في إعادة إعمار بلادهم لن يكون في المستقبل القريب.
أما الأمر الثاني فهو أن الحكومة السورية، وفق تصريحات غير مباشرة لبعض المسؤولين فيها، واستناداً إلى تقارير، تشير إلى أن دمشق ليست مستعجلة أبداً في البحث بموضوع عودة النازحين إلى بلادهم لأن أكثرية هؤلاء النازحين هم من المعارضين للنظام، وترى أنهم إذا أرادوا العودة فليعودوا إلى مناطق سيطرة المعارضة، وهو أمر لا يرغب به النازحون مطلقاً.
يضاف إلى ذلك، أن حكومة دمشق ترفض فتح ملف النازحين ومناقشته، كي تشكل من خلالهم عامل ضغط كبير على الدول التي استضافتهم، وعملت على استغلالهم ودعمهم ليقفوا في وجهها ومعارضتها، والآن وبعدما فشلت مخططاتها وطال أمد الحرب السورية وانقلب الوضع رأساً على عقب، وبعدما تحوّل النازحون إلى قنابل موقوتة في البلدان المضيفة، فإن حكومة دمشق ليست بوارد تقديم “تنازلات” مجانية في السياسة، وإراحة الدول والأنظمة والجهات التي تسببت في استفحال الحرب السورية، بشكل أو بآخر.
هذه التعقيدات جعلت أطراف السلطة اللبنانية تبدأ بالتعاطي بواقعية مع أزمة النازحين السوريين، ومحاولة إحتوائها والتعايش مع تداعياتها، بعدما تبين لها أن حلها لن يكون قريباً، حيث شدد وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي على أن ″الحكومة اللبنانية تتعاطى مع ملف النزوح السوري من الناحية الإنسانية البحتة، لا من منطلقات سياسية، دينية أو طائفية″، بينما دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أمس، إلى ″زيادة المساعدات الغذائية التي تقدم إليهم، وشرائها من الإنتاج اللبناني المحلي″.