ست سنوات كانت كفيلة بأن يشعر النازحون السوريون أنّهم باتوا ضيفاً ثقيلاً على محافظة عكار، وذلك بعدما إشتد الحصار عليهم مؤخراً من خلال بعض الأصوات الرافضة لوجودهم في بعض البلدات ذات اللون الطائفي الواحد، او تلك الغاضبة من منافستهم لليد العاملة اللبنانية، فضلا عن الاجراءات القانونية المتخذة بحق المؤسسات التجارية بهدف تنظيم العمالة الاجنبية.
هذه الأمور يرى فيها البعض أنها تهدف إلى إحراج النازحين تمهيداً لإخراجهم، تحت حجج إجتماعية وأمنية، كان الحديث عنها حتى الأمس القريب من المحرمات في تلك البيئة التي فتحت ذراعيها لمئات آلاف النازحين، وفي ظل رعاية سياسية يبدو أن مفعولها قد انتهى، بعد تشكيل حكومة إستعادة الثقة، برئاسة الرئيس سعد الحريري.
يمكن القول أن عكار، كانت من بين أولى المناطق اللبنانية التي شرّعت أبوابها للنازحين إنطلاقاً من الموقف السياسي لـ ″تيار المستقبل″ حينها، ومن الروابط الدينية والعائلية، اللذين منحا النازحين الكثير من التسهيلات، ومنها ما أثار خلافات مع قوى سياسية كانت في الحكم وعلى خلاف مع ″المستقبل″ في الرؤية السياسية حيال الازمة السورية، وكيفية التعاطي مع ملف النازحين وتنظيم وجودهم تحت سقف القانون.
يبدو أن شهر العسل الذي عاشه النازحون في عكار في طريقه الى الإنتهاء، وأن نعمة الغطاء السياسي الذي توفر لهم، بدأت تتحول الى نقمة على الآلاف منهم، ممن باتوا يشعرون بأنهم محاصرين بضغط الشارع وبالقرارات التي إتخذت مؤخرا من مرجعيات سياسية أو وزارت معنية أو سلطات محلية وتقضي بتقييد تحركاتهم وتجارتهم وعمالتهم في الأسواق.
شوارع عكار التي كانت خرجت عن بكرة أبيها دعما للنازحين ورفضا لمحاولات منعهم من الدخول أو توقيف حتى الخارجين منهم عن القانون، كل ذلك بدعم قوى سياسية وحزبية فيها، تشهد اليوم حراكا مماثلا ويحظى أيضا بغطاء من نفس تلك القوى، لكن بعناوين مختلفة، حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون تنفيذ أبناء عكار لتحرك أو إعتصام للمطالبة فيه بالحد من العمالة السورية وإقفال مؤسساتهم التجارية التي تنافس مثيلاتها التي تعود ملكيتها للبنانيين.
ويشير مطلعون الى ″أن ملف النازحين إستخدم من قبل ″المستقبل″ في تلك الفترة كأداة ضغط سياسي على خصومه، وتحديدا خلال تولي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، حيث أعطي النازح السوري صلاحيات تفوق حاجته في الإيواء والرعاية″.
ويضيف المطلعون: ″بعد تشكيل حكومة الحريري، وحصول تناغم مع التيار الوطني الحر حيال قضايا عدة، رُفع الغطاء عن النازحين وبات تنظيم وجودهم مطلب ″المستقبل″ وجمهوره، وتحول بعض من قيادات ووزراء ″المستقبل″ من خط الدفاع عن النازحين إلى خط الهجوم عليهم تحت شعار تطبيق القانون وحماية اليد العاملة اللبنانية، وهو مطلب حق، لكنه أثار التباسا عند البعض، حول هوية من يتحرك ومن يصرح من السياسيين، وعما اذا كانوا من تيار المستقبل او من التيار الوطني الحر″.
تشير المعلومات إلى ″أن بعض القوى السياسية والفاعليات والجميعات والأفراد، استفادوا من النازحين على المستوى المالي والمعنوي، حيث كانت دول عديدة تغدق الأموال من دون حسيب أو رقيب، بهدف مساعدة النازحين، فضلا عن الفورة العمرانية التي شهدتها بعض قرى عكار لتأمين مساكن للنازحين أو تأجير أراض زراعية لبناء المخيمات، والتي كانت تدفع تكاليفها منظمات دولية أو إسلامية″.
وتضيف المعلومات: ″إن تراجع الدعم المالي الخليجي على وجه الخصوص، وتراجع الحماسة السياسية حيال القضية السورية وتبدل بعض المواقف حيال ما يجري خارج الحدود، فضلا عن عودة الاتصالات واللقاءات بعد إنقطاع بين بعض المكونات العائلية والعشائرية العكارية مع الجانب السوري، والتي أنعكست نشاطا تجاريا عبر المعابر غير الشرعية على الحدود، كلها أمور ساهمت في محاصرة النازح السوري وفرض القيود عليه، وهي من المرجح أن تتضاعف في القادم من الأيام، إلا إذا حصل اي تطور سياسي قد يعيد الأمور الى المربع الأول من الاستثمار السياسي لمعاناة النازحين″.