لا تختلف كثيراً الأجواء السائدة اليوم في البلاد عن تلك التي سادتها قبل اندلاع حرب 1975، التي استمرت 15 عاماً وأكلت الأخضر واليابس، وما تزال تداعياتها حاضرة بقوة برغم مرور 27 عاماً على انتهائها، وهي فترة زمنية لا يبدو أن اللبنانيين تعلموا بما فيه الكفاية كي لا يكرّروها مرة ثانية.
قبل عام 1975 كان لبنان يعيش تداعيات القضية الفلسطينية بكل تشعباتها والخطر الإسرائيلي الداهم، وكانت الأزمة الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة رابضة بكل ثقلها على الحياة السياسية في البلاد، التي كانت تعيش أزمة كيانية وضعتها على حافة الهاوية.
كان مشروع الحرب الأهلية وأنصاره، كما تبيّن لاحقاً، أكبر من مشروع الحفاظ على البلاد والعباد معاً، فانجرفت نحو قعر هاوية لم تخرج منه إلا وقد تبعثرت أشلاءً طائفية ومذهبية، وها هي اليوم تقف على الحافة نفسها مجدداً، في ظل أزمات أضيفت إلى كلا أزمتيها السابقتين، القضية الفلسطينية والإصلاحات الدستورية، من حدّة خطاب طائفي ومذهبي مقيتة وغير مسبوقة، إلى أزمة النزوح السوري التي تزيد بأضعاف مخاطر أزمة اللجوء الفلسطيني، وأزمة إقتصادية ومعيشية خانقة لم يعرفها اللبنانيون حتى في عزّ سنوات الحرب الأهلية.
في الأيام القليلة الماضية خرجت أصوات عدّة تحذر من الإنجراف نحو الهاوية مرة ثانية، تشبه الأصوات التي خرجت محذرة قبل عام 1975، وسط مخاوف أن لا تلقى هذه الأصوات إستجابة من أحد، وأن ينتصر فريق مشروع الحرب مجدداً، وإدخال لبنان في أتون لن يخرج منه سالماً هذه المرة.
فمن خلال إلقاء نظرة سريعة على تصاريح ومواقف نواب وسياسيين من مختلف الكتل، يتبين مدى القلق الذي ينتابهم من خطورة المرحلة المقبلة، فالنائب هاني قبيسي، العضو في كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، حذر من أن ″لعبة الشارع خطيرة جداً وليست في مصلحة أحد″، بينما نبّه زميله النائب ياسين جابر من ″شبح الفراغ في المجلس النيابي لأنه يهدد الإستقرار″.
وفي حين قال رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إن ″الفكر التقوقعي هو فكر تقسيمي”، فقد ذهب عضو كتلة المستقبل النائب خالد زهرمان أبعد من ذلك عندما لفت إلى أن “البلد لا يحتمل ترف التلهي وتضييع الوقت، وأنه إذا لم نكن جدّيين في إنقاذه فسيقسم ويُجزّأ مثل بقية الدول″.
وعلى المنوال ذاته حذّر الرئيس نجيب ميقاتي من التمديد لمجلس النواب الذي واصفاً إياه بأنه ″أبغض الحلال، والفراغ هو الإثم والحرام بذاته″، معتبراً أنه ″من غير المقبول بأي شكل حصول فراغ في المؤسسة التشريعية، وإدخال البلد في مجهول لا يعرف أحد إلى أين سيودي بنا”، في موازاة تنبيه الوزير السابق فيصل كرامي أخيراً من أنه “نحن ببساطة على أبواب الإنهيار الشامل، وهو يفوق بأشكاله التي سيتخذها كل الحروب والصراعات التي شهدناها، واعتقدنا أننا عبرناها بأقل الأضرار″.
هذه العيّنة من المواقف تبدو وكأنها إستشعار مسبق بالخطر الكبير الذي يحيط بلبنان، والذي إذا لم يتم نزع فتائل تفجيره العديدة، فإن الشارع الملتهب طائفياً ومذهبياً، ويعاني من فاقة وفقر، ويغذى إعلامياً على كل المستويات، ومسلح إلى أبعد الحدود، مستعد كي يذهب نحو الهاوية مجدداً، وبسرعة أكبر من التي كان عليها قبل عام 1975.