خلال محاضرته في رابطة الجامعيين في طرابلس، نهاية الأسبوع الماضي، ترويجاً لاقتراح قانون جديد للإنتخابات النيابية خارج القيد الطائفي الذي تتبناه حركة ″مواطنون ومواطنات في دولة″ التي يتولى مهام أمانتها العامة، روى الوزير السابق شربل نحاس حادثة لافتة تُعبّر عن واقع الحال.
فمن ضمن زياراته على المسؤولين، قام نحاس ووفد من الحركة بزيارة الرئيس نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وخلال اللقاء الذي جرى التطرّق فيه إلى مواضيع عدة، قال رئيس المجلس النيابي لضيوفه بطريقته المعهودة: ″يطرحون عليّ إنشاء مجلس للشيوخ، ″ليش″ نحن عندنا مجلس نواب؟ سبعة أو ثمانية أشخاص يتحكّمون بكل المجلس النيابي، ويقرّرون نيابة عن باقي النواب الـ120″.
ومع أن الرئيس بري يُعتبر أحد هؤلاء الأشخاص الذين يتحكّمون بالمجلس النيابي، وأبرزهم، فإنه وصّف حال الوضع السياسي في البلد كما هو، لأن إنشاء مجلس للشيوخ كما أقر إتفاق الطائف، ما يزال معلقاً على ″حبل″ صراع رؤساء الطوائف والمذاهب، والأرجح أنه سيبقى كذلك لوقت طويل، لأن مجلس النواب يقوم بهذه المهمة بدلاً عنه، ولو بشكل غير مباشر، برغم أن ذلك يفرّغه من دوره كمجلس تشريعي ورقابي.
هذا التداخل بين صلاحيات مفترضة لمجلس النواب وأخرى لمجلس الشيوخ، ولو أن الأخير ما يزال حبراً على ورق، هو الذي عطل ويعطل مساعي التوصل إلى قانون إنتخاب جديد وعصري، يعتمد النسبية كما هي معظم القوانين الإنتخابية في أغلب دول العالم، كون النسبية تشكل مدخلاً إلى نهاية عهد البوسطات والمحادل، ومقبرة سياسية لزعماء الطوائف والمذاهب والأحزاب والتيارات، وهو كأس مرّة يحاول الرؤساء المعنيون إبعادها عنهم وعدم تجرّعها بكل ما أوتوا من قوة.
ونظراً لطبيعة البلد وتركيبة نظامه السياسي المرتكزة على الطائفية والمذهبية، فقد تحوّل الرؤساء والوزراء والنواب ومدراء الإدارات العامة والموظفين عامّة إلى ممثلي طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم وعائلاتهم في مراكزهم، بدلاً من أن يكونوا في خدمة المواطنين، وأن يكون ولاءهم للدولة وليس لغيرها.
لذلك كله يصرّ أقطاب السياسة في لبنان على قانون إنتخابي يناسبهم ويأتي على مقاسهم، ولو قالوا عكس ذلك، والذي هو قانون الستين الذي طرحت على جنباته قرابة 25 إقتراح قانون إنتخابي، سقطت جميعها، وبقي وحيداً لكي تجري الإنتخابات النيابية على أساسه، كونه القانون النافذ، وإلا فإن البلد لن يبقى أمامه إلا خيارين لا ثالث لهما: إما التمديد لفترة زمنية تمهّد للتوافق حول قانون الستين، وإيجاد مخرج مناسب له بما يتلاءم مع مصالح الطبقة السياسية، أو الفراغ الذي يدخل البلد في المجهول.
من يتابع تصاريح رؤساء الأحزاب والتيّارات الرئيسية في البلد، ويدقق فيها، يتأكد له أنهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم بالدرجة الأولى، وعن حصّة كل واحد منهم في بازار القوانين الإنتخابية المطروحة، وكيف يمكن تأمين مقعد نيابي لهم بالزائد، والتشبث بما يرونه يصبّ في مصلحتهم، والتهويل بالويل والثبور في حال جرى المسّ بها، وأن ذلك خط أحمر لأنه يعني التعرّض لحقوق طائفة هذا أو مذهب ذاك، وتهديدهم بحرب أهلية وإحراق البلد إن جرى ذلك.
هذا التجييش السياسي والطائفي والمذهبي ورفع سقف التحريض إلى أعلى درجاته، بحيث بات تجارة رابحة في سوق السياسة في لبنان، مع ما يرافقه من مخاطر، دفع أحد رؤساء الأحزاب الرئيسية إلى الإعتراف أمام مقربين منه، بأنه ″لو لم تكن هناك أجواء إنقسام طائفي ومذهبي في لبنان، لقام المواطنون بسحلنا في الشوارع!″.