رمى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كرة الأزمة الدستورية الى مسافة شهر واحد، فاستخدم صلاحياته التي تمنحه إياها المادة 59 من الدستور اللبناني في تعطيل عمل المجلس النيابي لمدة ثلاثين يوما، ومنع النواب مؤقتا من التمديد لأنفسهم للمرة الثالثة.
تناغم رئيس المجلس النيابي نبيه بري فورا مع قرار ″فخامة الرئيس″ فأعلن تأجيل الجلسة الى 15 أيار المقبل.
ساهم ذلك في تبريد أرضية الشارع الملتهب الذي كان بدأ التحضير لـ″غليان شعبي″ وصولا الى قطع الطرقات، ومنع النواب من الوصول الى ساحة النجمة، فخرجت فصائل الحراك المدني من الشارع، وأزيلت الخيم، وعادت الحركة في وسط بيروت الى طبيعتها.
إحتفل جبران باسيل بالنصر المبين، وأعلن إلغاء تظاهرة التيار الوطني الحرّ الذي كان بكامل جهوزيته في معقله في ″ميرنا الشالوحي″ بانتظار ″الساعة صفر″، فيما نوّهت القوات اللبنانية بالضغط الذي مارسه أنصارها وعلقت مشاركتها في كل التحركات.
وفق هذا السيناريو، أسدلت الستارة على الفصل الأول من ″مسرحية التمديد″، وهو تمحور حول ″الرئيس القوي″ الذي يتدخل وينقذ الموقف في اللحظات الأخيرة، ويعيد كل الأمور الى نصابها، فتخضع كل الأطراف لقراره الجمهوري.
لكن، ماذا سيشاهد اللبنانيون في الفصل الثاني من ″مسرحية التمديد″؟!.
في المشهد الأول من الفصل الثاني، مزيد من التعقيدات حول القانون الانتخابي، خصوصا أن ما لم ينجز في ثماني سنوات لا يمكن أن ينجز خلال ″شهر التعطيل″ في ظل تمسك كل تيار سياسي بمعرفة عدد نوابه من خلال القانون الذي سيقر، وحتى قبل إجراء الانتخابات.
وفي المشهد الثاني، إعلان ″الرئيس القوي″ أن قوته المستمدة من الدستور اللبناني قد إنتهى مفعولها، كونها تستخدم لمرة واحدة فقط، إضافة الى ″بروباغندا″ حزبية حاكمة توزع نفسها بين الحكومة والمجلس والشارع، ثم النهاية باقرار التمديد الثالث على وقع الأصوات الرافضة من قبل فصائل الحراك المدني التي بات معروفا كيف يتم فرط عقدها، من خلال بعض ″الشبيحة″ الذين يعتدون عليها وعلى القوى الأمنية، فيعود الجميع الى منازلهم مكرها على تمديد نيابي يبدو أن القرار فيه قد إتخذ خلال المفاوضات الرئاسية التي أسفرت عن إنتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية اللبنانية.
في نقد ومناقشة ″مسرحية التمديد″ أقله في إخراج فصلها الأول، يرى الناقدون أن السيناريو لم يكن مطابقا مع الواقع وأن فيه الكثير المغالاة، فاذا كان الرئيس القوي يملك صلاحية تعطيل مجلس النواب لمدة شهر، لماذا تم ترك الشارع يتفاعل بهذا الشكل ضد جلسة التمديد الى حدود الانفجار؟، ولماذا لجأ البعض الى كل هذا التهويل والشحن السياسي والتحريض الطائفي؟، ولماذا تم وضع كل اللبنانيين على أعصابهم مما قد يحمله اليوم الخميس، بعد الجهوزية التامة التي أعلنت عنها القوى الأمنية لحماية النواب الراغبين بالتمديد؟.
ثم قد يفهم اللبنانيون أن يلجأ الحراك المدني الى جانب الأحزاب والتيارات غير الممثلة في السلطة الى الاعتصام والتظاهر رفضا للتمديد الثالث، لكن ما لم يستطع اللبنانيون فهمه هو أن يكون التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في طليعة الداعين للنزول الى الشارع.
فرئيس التيار جبران باسيل هو وزير الخارجية، ويتهمه بعض خصومه بأنه يشرف على عمل كل الوزراء العونيين، ويتصرف كأنه الوصيّ الشرعي على العهد.
يطرح جبران باسيل في كل يوم قوانين إنتخابية بمقاسات سياسية مختلفة لم يلق أي منها حتى الآن قبولا لدى الأطراف السياسية، ثم يهندس التعيينات الادارية والعسكرية، ويتحدث في الموازنة، والنفط، والسلسلة والمشاريع الانمائية، ومن ثم يترك كل ذلك لينزل الى الشارع ويتظاهر ضد الحكومة التي يُعتبر ″وزيرها السوبر″ المتعدد الاختصاصات، ويحتفل بعد ذلك بالنصر بقرار جمهوري بتعطيل المجلس النيابي.
أما القوات اللبنانية التي تتربع على منصب دولة نائب رئيس الحكومة كما على بعض الوزارات، فكذلك تبدو غير منسجمة مع نفسها في الفصل الأول من ″مسرحية التمديد″، وهي كان الأجدى بها مع حليفها العوني العودة الى الحكومة والاصرار على إنجاز قانون إنتخابي، وتحديد موعد الاستحقاق الديمقراطي، أو إعتماد أضعف الايمان بالاستقالة من الحكومة والمجلس النيابي، عندها فقط تستطيع القوات والتيار أن يقودا الشارع، بدل الدور الضعيف الذي أدياه طيلة يوم أمس على خشبة المسرح اللبناني ولم يقنع أيا من اللبنانيين.
أما الفصل الثاني من ″مسرحية التمديد″ الذي سينطلق إعتبارا من اليوم فان نهايته باتت معروفة، بسيناريو ضعيف وإخراج سيء، وهي الوصول حتما الى التمديد، بعدما تم تدجين التحركات أمس بقرار التعطيل الرئاسي للمجلس النيابي، علما أن ما كُتب عن التمديد قد كُتب في الصفقة الرئاسية التي عقدت بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، والتي أدت فيما بعد الى تقاسمهما السلطة رئاسة وحكومة، وهذا ما أكده الرئيس نجيب ميقاتي في تصريحه أمس، حيث دعا الى التوقف عن التشاطر والتذاكي على اللبنانيين والى إعلان الاتفاقات أمام الناس، ولا يزايدن احد على احد بشارع من هنا وتحرك من هناك، او بلاءات كلامية لا جدوى منها.
ميقاتي علق أيضا على قرار رئيس الجمهورية بالقول: ″هو حق دستوري، لكن المطلوب تطبيق كل أحكام الدستور وإقرار قانون جديد للانتخاب يعتمد النسبية، ووقف التجييش الطائفي″.