إذا كان الحريري محتجزا فتلك مصيبة.. وإذا كان حرا فالمصيبة أعظم… غسان ريفي

إنقضى الاسبوع الأول على الاستقالة الملتبسة للرئيس سعد الحريري من الحكومة، وسط غموض في المعلومات حول الظروف التي يواجهها زعيم ″تيار المستقبل″ في المملكة العربية السعودية التي جاءت الاستقالة من عاصمتها الرياض في خطوة سياسية غير مسبوقة في التاريخ اللبناني.

حتى الآن لا أحد يستطيع أن يجزم ما إذا كان الحريري يخضع للاقامة الجبرية في منزله، أم أن له ملء الحرية في التحرك، علما أن ثمة قناعة تامة لدى المرجعيات اللبنانية الأساسية بأن رئيس الحكومة قد أجبر على الاستقالة وعلى تلاوة بيانها، وأنه محتجز في المملكة.

وما عزز من هذه القناعة، هو أن كتلة المستقبل النيابية على لسان رئيسها فؤاد السنيورة أوحت بذلك إثر إجتماعها أمس الأول، إضافة الى الوزير السعودي المفوض وليد البخاري الذي أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن بوسع وزير الخارجية جبران باسيل زيارة الحريري في الرياض والاطمئنان عليه، فضلا عما بات مؤكدا بأن ثمة توجه سعودي بعزل الشيخ سعد، وإستبداله بشقيقه الأكبر بهاء، الأمر الذي رفضته عائلة الحريري، وكذلك كتلة المستقبل وترجمه وزير الداخلية نهاد المشنوق من على منبر دار الفتوى عندما أكد أننا “لسنا قطيع غنم”، منبها الى أن تولي المسؤوليات في لبنان، يحصل من خلال الانتخابات النيابية وليس بالتعيين.

أسبوع إنقضى، ولبنان يجتمع على كلمة رجل واحد في مشهد وطني تضامني غير مسبوق نسجه الرئيس ميشال عون من خلال مشاوراته مع المرجعيات السياسية ورؤساء الكتل النيابية والتيارات والأحزاب السياسية التي وحدت موقفها بعدم قبول هذه الاستقالة، والمطالبة بعودة الحريري ليقدم إستقالته خطيا الى رئيس الجمهورية أو القيام بما يراه مناسبا.

أسبوع إنقضى، ولبنان متضامن مع نفسه ومع رئيس حكومته ″المغيب″، فيما الشلل يخيم على السلطة التنفيذية، وعلى حركة الاقتصاد والتجارة وكل ما يرتبط بهما، فيما التهديدات السعودية على أشدها، ودعوات الدول العربية والأجنبية تتوالى الى رعاياها لمغادرة لبنان، والتحذيرات تطلق من كل حدب وصوب لعدم زيارته، الأمر الذي يزرع الخوف في نفوس اللبنانيين على أمنهم وإقتصادهم ونقدهم، خصوصا أن ثمة شعور لبناني عام  أن البلد بات “على كف عفريت”، لا سيما في ظل الاصرار السعودي على شطب حزب الله من المعادلة اللبنانية.

إذا كان الرئيس سعد الحريري موجود في السعودية في الاقامة الجبرية فتلك مصيبة حقيقية، فالحريري هو رئيس حكومة لبنان العامل ورئيس أكبر كتلة نيابية، وما يتعرض له في المملكة، يُسيء الى السيادة الوطنية اللبنانية بالدرجة الأولى، ويُضعف الطائفة السنية في لبنان، ويضرب هيبة موقع رئاسة الحكومة، ويعطل عمل السلطة، حيث أنه لا يمكن للحكومة أن تصرّف الأعمال في ظل رئيس غائب، كما يعرقل ذلك قيام رئيس الجمهورية ميشال عون بإجراء الاستشارات النيابية الملزمة وفق الدستور لتكليف رئيس جديد، خصوصا في ظل إصرار عون على عدم قبول الإستقالة قبل أن يلتقي الحريري ويطلعه على الظروف والمعطيات التي دفعته الى ذلك، ما يعني أن فراغا في السلطة التنفيذية وفي الموقع السني الأول سيحصل، ما سيضاعف من الاحباط السني في البلد، وهذا ما تنبهت له بعض القيادات السنية التي شددت على ضرورة الحفاظ على موقع وهيبة رئاسة الحكومة، وعلى عدم تغييب السنة في لبنان عن المشاركة في السلطة.

أما إذا كان الحريري له ملء الحرية في التحرك وفي العودة الى لبنان أو بالظهور الاعلامي، فان المصيبة أعظم، لأنه من غير الجائز أن يترك بلده يتخبط بالشائعات والتحليلات والتأويلات والتهديدات، وهو يتفرج عما يحصل من بعيد.

ومن غير الجائز أن يترك الحريري البلد في هذا الظرف الدقيق وأن يعتكف عن تصريف الأعمال، وأن يساهم في الفراغ بالسلطة التنفيذية وفي إستبعاد السنة عن الحكم، حيث كان بوسعه أن يعود الى لبنان ولو لساعات قليلة، وأن ينهي الأمر بتقديم إستقالته الى رئيس الجمهورية أو أن يتحدث معه هاتفيا ويشرح له ملابساتها، خصوصا أن الاتصال بين الرئيسين الحريري وعون مقطوع منذ الاتصال اليتيم الذي أجراه معه يوم السبت الماضي وأبلغه فيه خبر إستقالته.

في مطلق الأحوال، ينتظر اللبنانيون ما ستؤول إليه الوساطات العربية والدولية لاخراج الحريري من السعودية، أو لاخراجه عن صمته، في وقت يرى فيه متابعون أن السنة هم أساس الكيان اللبناني، وأن الحكم في لبنان لا يمكن أن ينتظم من دون وجودهم في السلطة، وهم على مدار التاريخ كانوا حراس العروبة وفي طليعة المدافعين عنها، وهم كانوا وما زالوا وسيبقون على تمسكهم بالعمق العربي، وبامتدادهم الاستراتيجي تجاه السعودية، وهم بالتالي لا يستأهلون مثل هذه القساوة في التعامل لا من المملكة ولا من غيرها.

Post Author: SafirAlChamal