سباق التسوية والمواجهة الشاملة.. نتنياهو بين مطرقة الحل وسندان الحرب!.. وسام مصطفى

 تتسارع التحرّكات السياسية على خط واشنطن وتل أبيب ومنهما إلى عواصم القرار العربي وصلب محورها بيروت، على وقع استمرار عدّاد الشهداء والجرحى بفعل إمعان آلة الجنون الصهيونية بارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإيغالها في الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية، فيما تبقى العيون شاخصة على الجبهة اللبنانية التي تشهد حماوة غير مسبوقة في ميزان المواجهة بين المقاومة والاحتلال، خصوصاً بعد أن وسّع العدو من دائرة اعتداءاته ليتجاوز قواعد الاشتباك والضوابط التي تحكم معادلة الحرب، سواء من خلال استهداف الشيخ صالح العاروري على تخوم الضاحية الجنوبية، أم من خلال امتداد دائرة القصف الجوي والبري للقرى اللبنانية البعيدة نسبياً عن الحدود، أو من خلال عمليات الاستهداف الفردية التي أدت أخيراً إلى استشهاد الكادر في المقاومة وسام الطويل.

وفي الموازاة تأتي جولة وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في المنطقة، التي يسعى من خلالها اجتراح حل ثلاثي الأبعاد، الأول: وقف تدريجي غير نهائي للحرب – عبّر عنه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، الذي نفى طلب واشنطن وقف “العمليات الحربية” في قطاع غزة – والتخفيف من حدّة المعاناة الإنسانية التي يعانيها الفلسطينيون النازحون داخل قطاع غزة.

والثاني: إيجاد شكل من أشكال التسوية التي توافق عليها “إسرائيل” أولاً ولا تعارضها العواصم العربية المعنية بالصراع.

والثالث: رسم خارطة ما بعد الحرب، بالتوازي مع موقف أمريكي صريح يرفض مشروع تهجير الفلسطينيين خارج القطاع؛ على أن يقود الحلّ إلى إرساء واقع جديد يحافظ على وجود سياسي – عسكري لحركة حماس، ولكنه لا يشكّل أي تهديد للاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في ما يسمّى غلاف غزة.

وتبقى الجبهة الشمالية المحور الحاسم لأي صيغة قد يفلح الأمريكي في تسويقها، والمعضلة الأساس هي أن العنصر الفاعل في هذه الجبهة لا يملك أحد مفاتيحه إلا قيادة المقاومة، التي تربط أي إمكانية للتهدئة بوقف العدوان على قطاع غزة مع جملة مطالب تضمن فيها حماية المقاومة وإنهاء معاناة الفلسطينيين في القطاع؛ ويلفت المراقبون إلى أن مسارعة المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم جو بايدن إلى فلسطين المحتلة بعيد بدء “طوفان الأقصى”، هدفت إلى استيعاب احتمالات انهيار الوضع برمته في المنطقة، سواء من خلال لملمة شتات حكومة بنيامين نتنياهو التي صدّعتها ضربة 7 أكتوبر وجعلتها في حالة ضياع، أو من خلال رسم ضوابط الرد بحيث لا يتدحرج إلى مواجهة شاملة يدخل فيها لبنان وباقي دول المحور، وهو ما لا تريده واشنطن أن يحصل لاعتبارات عديدة داخلية وأخرى متعلقة بإبقاء السيطرة الأمريكية على المنطقة، ويضيف هؤلاء إلى أن التجارب الماضية التي انتهت باتفاق شفهي أو مكتوب مع المقاومة في لبنان، لم تأتِ إلا بشروط المقاومة بما يكفل للدولة سيادتها بجيشها ومؤسساتها وبقرارها السياسي والأمني، وهذا الأمر يجب أن يدفع الساعي الأمريكي لأخذه بعين الاعتبار، وأن يقلع عن خطابه العقيم في إملاء المواقف على الجانب اللبناني.

وفيما تنتظر بيروت ما يحمله إليها المبعوث الأميركي الوسيط عاموس هوكشتاين، وما سيرشح عن جولة بلينكن في المنطقة، برز الموقف الرسمي اللبناني الموحّد الذي أكّد على دعم المقاومة، وتأييد ما تقوم به على الحدود ربطاً بما “يفرضه استمرار الاحتلال الاسرائيلي لأراضٍ لبنانية”، على حد تعبير وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، الذي شدّد على أن مهمّة هوكشتاين لا بد أن ترتكز على “إظهار الحدود والرجوع الى الخط الاخضر (خط الهدنة المرسّم عام 1948)، والانسحاب من الاراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ونقطة الـB1 في شمال الغجر أو خراج بلدة الماري”، وقد عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن الموقف نفسه بشكل وبآخر، ممّا يمنح المقاومة شكلاً من أشكال الدعم السياسي التي تحتاج إليه في ظل التهديدات التي يطلقها مسؤولو العدو عن نقل الحرب إلى لبنان.

على الخط الموازي، يؤكد المراقبون أن تهديدات العدو تندرج في سياق بازار الداخل الإسرائيلي، الذي يعاني من انقسامات عامودية واختلافات عميقة، معتبرين أن الحديث عن بلورة “خطة لاستمرار حكومة الحرب في حال استقالة الوزير بيني غانتس، واستبدال وزير الحرب يوآف غالانت بأفيغدور ليبرمان”، هو مؤشر لبداية الترجمة الحقيقية لهذا الانقسام، فضلاً عن التباين في الرؤى بين تل أبيب وواشنطن حيال تفاصيل المرحلة المقبلة، ودعا المراقبون إلى التوقف عند مجموعة من النقاط التي تسهم في زيادة الضغط على نتنياهو وحكومته وأهمها:

– تواتر الأخبار التي يُسمح لها بالنشر من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي تتحدث عن الخسائر الكبيرة البشرية والعسكرية التي يمنى بها جيش الاحتلال يومياً، والأعداد الكبيرة للمعاقين جسدياً ونفسياً.

– شهادات الضباط والجنود التي تكذّب تصريحات قادتهم، وتبيّن حجم معاناتهم في مواجهة مقاتلي حركة حماس.

– اشتداد الحركة الداخلية الضاغطة على نتنياهو وحكومته لجهة المطالبة بوقف الحرب وتبادل الأسرى، وتنامي الرفض العالمي حيال سياسة التجزير والتدمير، ما أفضى إلى اتجاه لمحاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب في محكمة العدل الدولية.

– تغيّر الخطاب الإعلامي الدولي، وبالأخص الأمريكي، الذي بدأ بالحديث عن ارتكابات جيش الاحتلال من جهة، وعلى التهويل بما يمكن أن يواجه إسرائيل في حال غامرت وفتحت جبهة عسكرية جديدة في الشمال.

– التحذيرات الوجودية التي يطلقها محللون عسكريون وإعلاميون وقادة سابقون إسرائيليون من أن أي حرب مع لبنان “سيكون لها ثمن وستجعل من القتال بغزة أشبه بمخيم صيفي”، وفق تعبير صحيفة “يديعوت أحرنوت”.

أما في المقلب اللبناني، فإن ما حققته المقاومة حتى اليوم من استهدافات عسكرية وبشرية ضخمة، ونتائج على مستوى الوعي الجمعي لدى المجتمع الإسرائيلي، تترجم بشكل عملي استراتيجية دفاعية فاعلة، وتضع نتنياهو وفريقه الحربي بين المطرقة والسندان، فلا هو قادر على فتح جبهة أخرى لا يستطيع التحكّم بنتائجها، خصوصاً بعدما أظهر الرد المقاوم فعاليته وقدرته الميدانية على استهداف مواقع عسكرية قيادية واستراتيجية، ولا هو قادر بعد على صم آذانه عن المطالبات التي صدعت رأسه من قبل مئات آلاف المستوطنين الذين نزحوا من الشمال الفلسطيني، وصرّحوا أنهم لن يعودوا إليها إلا بعد تحقيق الأمن لهم وفق تعبيرهم. ويبدو أن نتنياهو لم يوفق حتى الآن في استدراج الإدارة الأمريكية إلى السير في ركب جموحه نحو توريطها في حرب شاملة، وبالتالي فإن التطوّرات الميدانية المرتقبة ستحدّد معالم المرحلة المقبلة، وفي كل حال تبقى يد المقاومة على الزناد للتعامل مع كل الاحتمالات، سواء كانت ضمن الضوابط أو “بلا ضوابط”.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal