طريق الحرير الرقمي: رحلة لبنان نحو التنمية الاقتصادية والتواصل الدولي… د.وديعة الاميوني

يشير “طريق الحرير” إلى المسار التجاري الممتد من الصين مرورًا بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وصولًا إلى أوروبا. عُرف تاريخيًّا بأهميته كوسيلة لنقل البضائع والثقافة بين الشرق والغرب، واطلقت الحكومة الصينيّة حديثًا مبادرة “طريق الحرير الجديد” عام 2013 بهدف توسيع نطاق التجارة والاستثمار وتعزيز التكامل الاقتصادي مع مختلف الدول، وفق مسارات بريّة وبحريّة مثل بناء السكك الحديديّة والموانئ ومشاريع الطاقة ومناطق اقتصادية خاصة بها، الامر الذي أثار قلقا دوليا بشأن التأثير الجيو-سياسي للصين على الدول المشاركة.

واذا اشرنا اليوم الى حركيّة تجاريّة متأثرة بمفاعيل الثورة الصناعيّة الرابعة، نتطرق الى الحديث عن “طريق الحرير الرقمي” معتمدًا على المبادرات التقنيّة والتكنولوجيا الشبكيّة والبنى التحتيّة المتطوّرة للاتصالات والألياف البصريّة والكوابل البحريّة والأقمار الصناعيّة، بهدف تسهيل نقل البيانات بسرعة عالية وتفعيل التعاون التجاري. يُعتبر هذا المسار جزءًا من مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف إلى ازدهار الحركة الاقتصاديّة بين مختلف الدول. وعليه، يعكس طريق الحرير الرقمي تحولًا هامًا نحو الاعتماد على التكنولوجيا في تطوير التجارة والعلاقات والسياسات الدوليّة وتوسيع نطاق التبادل من خلال الاتصال الشبكي.

اما لبنان، المنهار اقتصاديًا، يكون من صالحه مواكبة طريق الحرير الرقمي والاستفادة من هذه الفرص الاقتصاديّة والتنمويّة القادمة، ويجب على الدولة ان تتخذ قرارًا حاسمًا في تطبيق التحول الرقمي وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية ٢٠-٣٠ بأسرع وقت ممكن والبدء بالاستثمار في تحسين البنى التحتيّة التقنيّة مثل الشبكات البرمجيّة والاتصالات والألياف البصريّة. اضافة الى العمل الجدّي على تحديث التشريعات المتعلقة بالقطاع الرقمي والتجارة الإلكترونيّة (خاصة قانون ٨١/٢٠١٨) وتلبية المعايير الدوليّة (بما يتوافق مع معايير مجلس اوروبا في هذا المجال مثلًا) لأجل تحقيق الأمان السيبراني وحماية البيانات والمعلومات، وتوفير بيئة أعمال جاذبة وآمنة للاستثمار، وتدريب وتعليم القوى العاملة لضمان توافقها مع التكنولوجيا الجديدة واحتياجات سوق العمل. كذلك يمكن للبنان التعاون مع دول المنطقة المتحوّلة رقميًا، وتوفير الشراكة مع الجهات الدوليّة الاكثر تطوّرًا، لأجل الاستفادة الايجابية من الخبرات وتغيير نظامه في العمل “التقليدي” الذي دمّر مؤسساته.

باختصار نقول، انّ أخذ الدولة اللبنانيّة مسألة طريق الحرير الرقمي على محمل الجدّ، وأخذ القرار بمواكبته وحجز موقع على خارطته، ووضع الخطط الهادفة، واقرار القوانين المعنيّة، يقدّم الكثير من الفرص التي تعود بالنفع على الوطن اللبناني واقتصاده وسياساته، تبدأ مع تسيير التجارة الإلكترونيّة وتنشيط عجلة الاقتصاد بينه وباقي الدول المشاركة وفتح فرص عمل جديدة وازدهار الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة وتنويع وتحديث قطاعاته لتكون اكثر استدامة، وتمرّ بالشفافيّة وتعزيز القطاعات الرقميّة والتقنيّة مثل تكنولوجيا المعلومات والبرمجيّات التي تشجع الصناعة والابتكار، وصولا الى تنشيط التعاون الإقليمي والعلاقات السياسيّة والاقتصاديّة بين لبنان ودول آسيا وأوروبا. وبالتالي فإنّ الانخراط في طريق الحرير الرقمي سبيل “ذكيّ” لأجل الخروج من الانهيار والأزمات وتحقيق التنمية المستدامة والرخاء للبلاد، بل يمثّل هذا الطريق فرصة ذهبيّة لأجل الحصول على العديد من المكاسب الاقتصاديّة والوطنيّة من خلال التعاون مع الصين وباقي الدول. علمًا أنّ كل ذلك يستلزم حتميّة التحديث التنظيمي والقانوني لمواكبة التطوّرات وضبط المسار الاصلاحي والحوكمة الرشيدة. فهل من يسعى الى الاستفادة من الفرص وتحقيق التغيير والتحديث لأجل التخلّص من كبوة الاقتصاد وقوقعة السياسة التي دمّرت لبنان وشعبه؟

الكاتبة: البروفسورة وديعة الأميوني

 أستاذة جامعية وباحثة اجتماعية

المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal