عن معايير الغرب المزدوجة.. غزة أنموذجًا: أسئلة برسم الحضارة المزيفة؟

خاص – سفير الشمال 

في غزة تُضرّج الطفولة بدمائها، يغيب بدرها وتتناثر أشلاؤها… مشهد “محمّد الدّرة” يتكرّر كلّ يوم، مع عالم المعايير المزدوجة.. فلا عينًا تدمع، ولا لسانًا ينطق، فأين الضمير العالمي، وأين الشرع الانساني الدولي الذي أتحفنا به الغرب، أين المجالس والأمم، أين المحاكم والقمم؟!..

بأي مكيال يكيل هذا الغرب، وبأي منظار يرى، أو معيار يزن، ولما يميل دومًا لجانب “اسرائيل”، ساندًا آلة بطشها الجائرة، وهي تطحن عظام أجساد طرية بريئة، فمتى أضحت براءة الطفولة “ارهابًا” مدانًا، أو هدفًا عسكريًا يعوّض جبن الميدان؟!، وبأي ذنب تقتل طفولة غزة بدم بارد كلّ يوم، وهي لمّا تفقه طعم الحياة بعد، وكيف يجري ذلك على مرأى الغرب ومسمعه.. تحوّل مجرد شاهد زور، وعدادًا لتوثيق الضحايا، مرتديًا زي محامي الشيطان عن الجلاد القاتل بوجه الضحية البريئة، بوظيفة إخفاء معالم جرائم العدو لتضيع الحقيقة في متاهات مصالح الأمم.
أليس الغرب هو ذاته هذا من أنشأ منظومة الأمم وقواعد القانون الدولي الانساني، ونصّب نفسه وصيًا عليها، بهدف منع العقاب والإبادة الجماعية؟… ألم يتفرغ يومًا لإنشاء محاكم دولية خاصة بأشخاص – محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة لمحاكمة الرئيس الصربي سلوفودان ميلوزوفيتش في أيار 1993.. فلِمَ يقف اليوم صامتًا متفرجًا على جرائم حرب وحشيّة دمويّة يندى لها جبين البشريّة؟ وهي وصلت إلى حدّ إبادة غزة عن بكرة أبيها، بمن فيها من مدنيين، نساء وأطفال ومسنين، وطالت حتى الطواقم الطبيّة والصحافيّة وفرق الإغاثة والإنقاذ المحميّة بموجب القوانين والاتفاقيات الدوليّة كلّها..!
كيف لمنظومة حقوق الإنسان العالميّة أن تُجزأ، وكيف لهذا الغرب أن يقف أصمًا أبكمًا أعمى عن أبسط حقوق أهل فلسطين من حياة كريمة على أرض أجدادهم التاريخيّة؟.. وفقًا لمعايير الكرامة الإنسانيّة بعيدًا عن المنازعات المسلّحة، فمن حقّ كلّ طفل فلسطيني الحياة والحماية في أثناء الحروب – مادة 38 اتفاقيّة حقوق الطفل الدوليّة- وحقّ كلّ إمرأة فلسطينية بالعيش بسلام، وكلّ صحفي وطبيب بممارسة مهنته بأمان.
لماذا يقف الغرب دومًا إلى جانب “إسرائيل” في جميع حروبها وارتكاباتها المجرمة منذ نشأتها حتى اليوم، من مجازر دير ياسين وكفرقاسم وصبرا وشاتيلا وجنين، مرورًا بمجزرة قانا وصولًا الى الضفة الغربيّة وقطاع غزة؟!، ولما أمّن لها غطاءً دوليًا لشن حروبها، ومنع عنها الإدانة الأمميّة، وحمى قادتها من الملاحقة والمحاسبة ومكّنهم من “الإفلات من العقاب”. ولما عزز ترسانة أسلحتها النوويّة والمحرّمة دوليًا (العنقودّية والفوسفوريّة..)، وسوّغ اعتداءاتها الجارية بـ”حقّ الدفاع عن نفسها”، فهل ما تقوم به “إسرائيل” أصلًا، من قتل جماعي للأطفال والنساء، يُصنّف دفاعًا عن النفس، هل إبادة شعب بأكمله هو “دفاع عن النفس”؟!… ثمّ من يحتاج للدفاع عن نفسه؟ شعب أعزل محاصر منذ 15 عامًا أم جيش غاصب مدجّج بالأسلحة من رأسه حتى أخمص قدميه، وهو ما لا تراه عيون الغرب بانحيازها الأعمى، والذي لا يريها سوى حجارة أطفال فلسطين وهم يواجهون الدبابة والطائرة والمدفع.
أو ليس الغرب هذا من أوجد الوسائل الضاغطة من عقوبات لحثّ الدّول على حلّ النزاعات بالطرائق السّلمية. فهل يمكن لنا أن نحصي عدد بيانات الخزانة الأميركيّة حول عقوبات تطال أشخاصًا وكيانات حول العالم، في وقت لم نسمع يومًا بفرض عقوبات على سياسة الاستيطان الإسرائيليّة أو على حصار أبناء غزة، أو على مجرمي الحرب الصهاينة؟ …
بدلًا من تقييد هؤلاء؛ نجد هذا الغرب يكرّمهم ويمنحهم جوائر نوبل للسلام على مجازرهم، ويحتفي بهم على أشلاء اللبنانيين والفلسطينيين ودمائهم.. كما جرى مع مصّاص دماء قانا “شمعون بيريز” وقبله “آرييل شارون”، واليوم “بنيامين نتنياهو”.. ولا يفوت هذا الغرب المتبجّح دومًا إلّا ويحيي في مناسبات حقوق الإنسان العالميّة (حقوق الطفل، حقوق المرأة، حقوق الصّحافيين…).. ويعدّ تقاريره الدوليّة المطوّلة بشأن انتهاكاتها حول العالم كلّه إلا “إسرائيل”؛ والتي لا يجرؤ على الاقتراب منها ولا يراها الغرب، فهي في هذه الحال ليست على خريطته.
أنى لهذا الغرب، بعد اليوم، أن يتلو علينا مزاميره ويحاضر فينا بالعفة، مدعيًا أنه موئل الحريّة ومنبع الديمقراطيّة… أنّى له بعد اليوم أن يحدّثنا عن ثوراته التحرريّة وحركاته الاستقلاليّة، أو يقدّم نفسه النموذج المحتذى، وهو يختزن عقليّة المستعمر يحارب ثائر غزة الأعزل بالقنابل والصواريخ الزلزاليّة…
أما آن لهذا الغرب أن يرتوي من دماء أطفال غزة ونسائها، والذين تجاوز عدد شهدائهم 70% من إجمالي الشهداء..؟.
أما آن له أن يخجل، أمام “كندرة” (حذاء) أطفالهم المتبقية بين الركام، ويضع حدًا لهذه الإبادة الجماعية، أم أنّه منشغل بفبركة ثورات ملوّنة في أماكن أخرى من العالم ليعتلي منبرها عبر عناوينها الحقوقيّة البراقة، حقوق المرأة مثلًا، ويجيّر في خدمتها أقطاب الإعلام العالمي وأهدابه، مجيشًا ضدها دول ومحيطات، ولو على أساس فبركات وسرديات مختلقة.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal