الاعلام الرقمي في لبنان بين حرّية التعبير وضرورة التنظيم… بقلم: د. وديعة الأميوني

يُشير الاعلام الرقمي إلى المحتوى الذي يتم تداوله ونقله واستهلاكه على وسائل الإعلام الافتراضيّة والتواصل الاجتماعي، ولا شك أنّه أحدث تحوّلاً جذريًّا في عالم الاتصال الجماهيري، واحتلّ حيّزًا كبيرًا فيه بعد تطوّر التكنولوجيا الشبكيّة والوسائل التقنيّة والمعلوماتيّة التي باتت تحتاج الى اطار تنظيمي يحمي حقوق المواطنين والمؤسسات. وعليه، اصبح المستخدم اليوم أكثر قدرة على الوصول إلى المعلومات والتعبير عن آرائه افتراضيًّا، مما أفرز واقعًا ملتبسًا لجهة سهولة نشر الأخبار الزائفة والتضليل والاهانة والتنمّر والابتزاز الالكتروني وخطاب الكراهيّة والعصبيّة، ووضع اشكاليّة المصداقيّة والثقة العامة في محتوى الاعلام الرقمي على المحك.
يواجه الاعلام اليوم عبر الوسائل والمنصّات الافتراضيّة تحدّيات كبيرة، مثل التهديدات الأمنيّة والجرائم الإلكترونيّة وتراجع الأطر القانونيّة المتعلقة بالخصوصيّة وحرّية التعبير التي تقف على حافة الهاوية بين التعدّيات الاخلاقيّة ومبادئ الاحترام المتبادل. وعليه، نجد أنّ القوانين التي تحد أو تمنع التهديد والابتزاز والسباب والتنمّر والاغتيال الافتراضي يجب تفعيلها بشكل عادل وحازم تجاه المواطنين، كذلك قانون حماية البيانات الشخصيّة الذي يحمي الافراد من سوء الاستخدامات المحتملة وضمان خصوصيّتهم.
وتجدر الاشارة هنا الى الزاميّة تنسيق وانفتاح المؤسسات الحكوميّة والتشريعيّة على الخبرات الدوليّة والاستفادة من توجيهاتها، مثل التعاون مع مجلس أوروبا الذي يضم 47 دولة عبر العالم، ويعمل على تعزيز الخصوصيّة وحماية البيانات الشخصيّة من خلال تقديم المشورة في اصدار او تصويب القوانين والتشريعات اللازمة في مختلف الدول.
من جهة أخرى، تبقى حرية التعبير وفق ما نص عليه الدستور اللبناني من أهمّ القيم الأساسيّة التي يجب حمايتها وصيانتها، وتقع المسؤوليّة هنا على المشرّعين الذين لم يقدّموا إطارات قانونيّة حديثة تضمن حق الصحفيين والمؤثّرين ومنتجي المحتوى والناشطين الرقميين في التعبير عن آرائهم دون تعرضهم للمساءلة القانونيّة غير المبررة أو غير العادلة في أغلب الاحيان. فتحقيق التوازن بين حريّة التعبير والتنظيم اللازم لمعاقبة الروّاد الرقميين في حالة التجاوزات يمثّل تحديًا كبيرًا في لبنان، ويشترط أن يستمد القوانين وموادها وبنودها من القيم والنُظم الديموقراطية ومبادئ الحقوق والواجبات. فنجد مثلًا أنّ تشريعات الاعلام الرقمي يجب أن تطال مجالات قانون ضمان حقوق النشر للمؤلفين والمبدعين، وقانون حماية البيانات الشخصيّة للمستخدمين، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونيّة لمعالجة الانحرافات الرقميّة والافتراضيّة، وقانون حريّة التعبير في البيئة الرقميّة، وقانون الذكاء الاصطناعي، على أن تتماشى كل هذه القوانين مع المعايير الدوليّة التي تحفظ حريّة الصحافة وحقوق الإنسان، وأن تتضمن آليّات فعّالة للتنفيذ، وهيئات متخصّصة للرقابة، واطار تنظيمي يوجّه عمليّات النشر والإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
بمعنى آخر، يتطلب تنظيم الاعلام الرقمي في لبنان اطارًا تشريعيًّا يوازن بين التقدم التكنولوجي وحق المواطنين في حرية التعبير والمعايير الدوليّة، لأجل ضمان بيئة افتراضيّة مسؤولة وآمنة للجميع. وتتلخص مهام القوانين في ضمان استمراريّة التواصل الايجابي والتعبير الحرّ في العالم الافتراضي، مع الحفاظ على الأمان والمساءلة والحريّة المسؤولة والخصوصيّة وحقوق وكرامة الأفراد في هذا المجتمع المتغيّر والمتأثّر بمفاعيل الثورة الصناعيّة الرابعة.

الكاتب: الدكتورة وديعة الأميوني
(مديرة معهد العلوم الاجتماعية ـ الفرع الثالث في الجامعة اللبنانية)
المصدر: سفير الشمال


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal