الذكاء الاصطناعي بين الاخطار والمزايا والقوانين اللازمة  في لبنان!… بقلم: د. وديعة الاميوني

تشهد العقود الأخيرة تقدماً هائلاً في مجال التكنولوجيا والمعلومات والذكاء الاصطناعي الذي أعطى الأجهزة والأنظمة الحاسوبية قدرة محاكاة الذكاء البشري من خلال تنفيذ مهام تتطلب التفكير والتحليل واتخاذ القرارات.
يعتمد الذكاء الاصطناعي على مجموعة من التقنيات مثل تعلم الآلة والشبكات العصبية الاصطناعية والرؤية الحاسوبية والتعرف على الأنماط، ومن مزاياه تسهيل العمليات البيانية وتحليل كميات ضخمة منها ودعم اتخاذ القرارات. هذا ويتم استخدامه اليوم في مجالات شتّى مثل تطوير التطبيقات والمواقع التفاعلية وزيادة جودة الإنتاج والمعارف وتطوير الكفاءة والدقة في الآداء، والكثير من المسائل التي تطال مختلف المستويات الحياتية. لكن للتكنولوجيا الذكية عيوب ايضًا نحددها بشكل عام في تراجع الخصوصية والأمان والتحكم في البيانات الشخصية، وصعوبة السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي في حالة حدوث أخطاء أو سلوك غير متوقع، اضافة الى تبعات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتغييرات في هياكل الصناعات والقوى المالية والوظائف البشرية والسياسات الاقتِصادية.
وعليه تتحدد أخطار جمّة مثل تعاظم وتعميق الفجوة التقنية بين الشرائح المجتمعية، اضافة الى امكانية الاستخدام غير الأخلاقي واستغلال الذكاء الرقمي في أنشطة إجرامية وتجسسية، مما يشكل تهديداً للأمن الاجتماعي والقومي.
يعكس واقع الذكاء الاصطناعي في لبنان مجموعة من التحديات التي تعترض تطبيق واستخدام التكنولوجيا الذكية، منها تراجع القطاع التقني والمصانع وغياب دعم الابتكار والتدريب والمراكز البحثية التي تسهم في تعزيز وتحفيز النمو الاقتصادي والمعرفي والخدمات، اضافة الى ضعف الموارد المالية التي تشكل عائقًا اساسيًا أمام الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، ثم تدني الكفاءات المحلية المتخصصة لأجل تطوير وتنفيذ تقنيات متقدمة. هذا اذا ما تحدثنا عن غياب التشريعات والقوانين والسياسات التي تنظم استخدام التكنولوجيا الذكية وتحمي البيانات الشخصية وتعزز الأمان السيبراني.
وعليه، ومن أجل تطوير وتعزيز واقع الذكاء الاصطناعي في لبنان، يجب أن تعمل الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص والجامعات على توفير الدعم اللازم للبحث والتطوير في هذا المجال، وتوفير بنية تحتية تكنولوجية وصناعية ملائمة، والتركيز على تطوير كفاءات محلية من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية متخصصة. وعلى المستوى الاقتصادي، يمكن تشجيع الاستثمار في شركات ناشئة او عالمية تعمل في مجال التكنولوجيا، وبالتالي توفير التسهيلات اللازمة لها، خاصة من خلال استحداث قوانين وتشريعات داعمة، اضافة الى ارساء اجواء سياسية وأمنية ومصرفيّة تشجع المتمولين على الاستثمار.
واذا ما تحدثنا بشكل سريع حول القوانين اللازمة في لبنان لمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، نرى انه من الضروري وضع تشريعات مناسبة تنظم وتسهم في تنمية هذا المجال بشكل مستدام ومسؤول. ونستطيع القول أنّ مستقبل التقنيات في لبنان يبقى واعدًا، خاصة أنّ لجنة التكنولوجيا والمعلومات البرلمانية تصوّب اليوم نحو القوانين والتشريعات اللازمة، ووزارة التنمية الادارية تؤكد على اهمية تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في التطوير المجتمعي ومحاربة الفساد، علمًا انها تحتاج الى اقتراح قوانين كثيرة في هذا المجال بالتنسيق مع المجلس البرلماني واللجنة المختصة. ويمكن لنا هنا أن نعرض بعض الجوانب التي يجب مراعاتها على المستوى التشريعي:
– حماية البيانات الشخصية والخصوصية ومعاقبة المخالفين
– تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي لاستخدام التقنيات الذكية في تشخيص الأمراض والعلاج، مع تحديد المعايير والإشراف على تلك التطبيقات لضمان جودتها وسلامتها
– تعزيز البحث والتطوير وتوفير التسهيلات والمزايا للجامعات والمؤسسات البحثية لتطوير مشاريع وأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي
– تشجيع الاستثمار والابتكار وتوفير حوافز وتسهيلات للشركات الناشئة والاخرى التكنولوجية للعمل في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير حلول مبتكرة
– استخدام التشريعات لتحسين الخدمات الحكومية من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل تسهيل إجراءات الحكومة الإلكترونية وتحسين الخدمات للمواطنين
– تشجيع البنية التحتية التكنولوجية وتطويرها من خلال توفير الإمكانيات والتسهيلات للشركات والمؤسسات التقنية
– تعزيز التعليم والتدريب من خلال وضع سياسات لتطوير برامج تعليمية وتدريبية في مجال الذكاء الاصطناعي لضمان توفير كفاءات محلية متخصصة.
– التحكم في الأخلاقيات والمسؤولية، اذ يمكن تضمين تشريعات تشدد على الالتزام بالمعايير الأخلاقية في تطوير واستخدام التقنيات الذكية، وتحديد المسؤولية في حالة حدوث أضرار أو تجاوزات
– تشجيع التعاون والشراكات وبالتالي تشجيع التشريعات على تعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص والأكاديمي لتطوير حلول مبتكرة واستفادة أمثل من التقنيات الذكية
– توفير هيئات رقابية تنظم وتشرف وتراقب استخدام التقنيات الذكية وتضمن التزام الجميع بالتشريعات والقوانين
باختصار، تشكل التشريعات والقوانين مدخلا هامًا في لأجل مواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي والاستفادة من ميزاته، خاصة تلك التي تسهم في  تعزيز التعاون والشراكة بين القطاع العام والخاص والأكاديمي بهدف تطوير حلول مبتكرة ودعم التقدم التكنولوجي وتعزيز التنمية المستدامة في مختلف القطاعات. وعليه، يمكن تقديم مشروع قانون على هذا المستوى، يتناول في بنوده عدة مواد، نقترحها هنا على سبيل المثال لا الحصر:
المادة الاولى: تأسيس لجنة تعاونية تحت مظلة وزارة الاتصالات باسم “لجنة تطوير التقنيات الذكية والابتكار” بهدف تطوير التقنيات الذكية والابتكار. تتألف اللجنة من ممثلين عن القطاعات الحكومية والشركات الخاصة والمؤسسات الأكاديمية والبحثية ذات الصلة، تكون مهمتها تعزيز التعاون وتبادل المعرفة والخبرات بين الأطراف المختلفة لتطوير حلول مبتكرة في مجالات مختلفة باستخدام التقنيات الذكية.
المادة الثانية: دعم الأبحاث وتوفير التمويل اللازم من قبل الحكومة لأجل تنفيذ المشاريع التي تشمل التقنيات الذكية والذكاء الاصطناعي. ويمكن للشركات الخاصة والمؤسسات الأكاديمية ايضًا تقديم الاقتراحات التي تمتلك الإمكانية لتطبيق التقنيات الذكية.
المادة الثالثة: تسهيل النقل التكنولوجي، وتوفير البنية التحتية والتسهيلات اللازمة لنقل التكنولوجيا من المجال الأكاديمي والبحثي إلى القطاع الصناعي والتجاري. وبالتالي يجب على الأطراف المعنية توفير الدعم الفني والاستشاري للشركات والمؤسسات التي ترغب في تبني التقنيات الذكية.
المادة الرابعة: حماية الملكية الفكرية والأمان، حيث يجب على الأطراف المشاركة في التعاون أن تحترم حقوق الملكية الفكرية للأفراد والمؤسسات وتتبع المعايير الأمنية في تطوير ونقل التقنيات الذكية. كما يجب أن تحدد اللجنة توجيهات وإجراءات للحفاظ على سلامة وأمان المعلومات والبيانات المتعلقة بالتقنيات الذكية.
المادة الخامسة: تقديم التقارير والمتابعة، حيث تقدم اللجنة تقارير دورية إلى وزارة الاتصالات توضح فيها تقدم التعاون والمشاريع المشتركة والتحديات المواجهة. ويتم تقييم أداء اللجنة ونجاح التعاون بانتظام لضمان تحقيق الأهداف المحددة.
المادة السادسة: وتتناول العقوبات في حال تجاوز المتطلبات والتوجيهات المنصوص عليها.
أخيرًا نقول أنّ القوانين والتشريعات في لبنان تلعب دورًا حاسمًا في دعم وتنظيم قطاع تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، خاصة في ما يطال حماية الخصوصية والبيانات الشخصية، واالاختراقات السيبرانية غير المشروعة وتحديد السلوكيات والتطبيقات الأخلاقية لاستخدام التقنيات الذكية، والتوجيه نحو الاستخدام السليم الذي يفيد التعليم والاقتصاد وتحسين الخدمات العامة ودعم الابتكار. والاهم من ذلك تحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي والمخاطر المحتملة، وبالتالي توجيه العمل في التقنيات الذكية نحو أهداف استراتيجية ووطنّية، مثل تحسين الخدمات الحكومية ودعم الصناعات المحلية، وبناء الثقة بين المستخدمين والشركات الخاصة والحكومات من خلال توضيح معايير الاستخدام وحقوق الأفراد.
بشكل عام، وحدها القوانين والتشريعات في إطارها التنظيمي الواضح، تساهم في تطوير وتوجيه استخدام التقنيات الذكية بشكل مسؤول ومفيد للمجتمع اللبناني ومؤسسات الدولة على وجه الخصوص، كسبيل هام لأجل اللحاق بركاب الثورة الصناعية الرابعة ومحاربة الهدر والفساد وتحقيق الازدهار والنمو للدولة اللبنانية والمواطنين.

الكاتبة: الدكتورة وديعة الاميوني
مديرة معهد العلوم الاجتماعية – الفرع الثالث في الجامعة اللبنانية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal