“التقاطع” لقطع الطريق!!… طنوس فرنجيه

أخيرًا تقاطعت الأحزاب المسيحية على قطع الطريق.
أمرٌ كان منتظَرًا منذ أول الشغور، لأن التاريخ ينبئ بأن الخلافات الضيقة، كتلك التي تنشب عادة عند تعيين النواطير وحراس المياه في القرى الصغيرة، هي التي لا تزال تتحكم بعقليات الزعماء المتقاطعين الذين يحتكرون تمثيل الطائفة على امتداد الوطن ويدَّعون لأنفسهم، كلٌّ بمفرده، الأهليةَ والقدرة وحده على بناء الدولة.
ما لنا ولهذا! إنه موضوع يطول البحث فيه، وربما أعود إليه في مقال لاحق. لكنَّ ما أريد قوله الآن ينحصرُ في أن القراءةَ الموضوعية للمشهد السياسي الراهن على ضوء تجارب الماضي ودروسه، تكشف أن الخلافات كما التقاطعات والاتفاقات بينهم، ليس لها علاقة ببناء الدولة بل بحيازة السلطة. فهؤلاء لا يخفون عدم اتفاقهم على أيِّ شيء، ما خلا نية إقصاء مرشح طبيعي للرئاسة الأولى، على الرغم من أن هذا الأخير لم يعلن ترشحَه بعد. ثمَّ يغلفون ذلك بشعارات فضفاضة فارغة، آخرُها زعمهم بأنهم عبر ما فعلوه جعلوا حزب الله وحيدًا، في مواجهة سائر اللبنانيين، وأن المرشح الطبيعي الوزير سليمان فرنجية، لم يعد يحظى بمروحة التأييد التي أمّنوها هم لمن تقاطعوا على اسمه. وقد سارعت وسائل إعلام وجيوش إلكترونية إلى تبني هذه المقولة ونشرها على أوسع نطاق.
ومع غضِّ النظر عن الحجم الحقيقي للتمثيل المسيحي لدى هذه الأحزاب، المرتبط أساسًا بقانون انتخابٍ فصلوه على مقاسهم، أودُّ التذكير بأن أربعة مقاعد مسيحية على الأقل في دوائر انتخابية شمالية، كانت لتؤولَ بأكثريةِ أصوات المقترعين خلال الانتخابات الأخيرة إلى مرشحين على اللوائح المدعومة من تيار المردة، لكنهم خسروها لصالح آخرين نالوا عددًا من الأصوات أقلَّ منهم بكثيرٍ، مستفيدين في ذلك من مهزلة الحاصل الانتخابي. فليتواضعْ هؤلاء وليراجعوا النتائج الرسمية في كلٍّ من طرابلس وزغرتا والكورة.
أما عن حجم التأييد النيابي للمرشحين، فتعالوا معًا نقرأ الخريطة السياسية الحالية: الشيعة والعلويون بأجمعهم دون استثناء مع خيار المرشح الطبيعي الوزير سليمان فرنجية، وأكثرية راجحة من النواب السنة كذلك، وهذا هو أيضًا الموقف الحقيقي الضمني لكتلة اللقاء الديمقراطي التي تبني موقفها العلني المتحفظ أو الرافض، على الرغبة في مراعاة القوى المسيحية الموجودة داخل البرلمان، علمًا أن لدى الوزير فرنجية من النواب المسيحيين المؤيدين من هم أكثر بكثير من كتلة حزب الكتائب مثلًا، ويعادلون تقريبًا عدد نواب كلٍّ من الكتلتين الأخريين. بالإضافة إلى المواقف الخارجية الداعمة والمتقبلة. في حين أن المرشح الوزير أزعور يفتقر بشكل واضح إلى هذه المروحة الميثاقية الجامعة لتأييد المكونات اللبنانية كافةً، وللقبول الدولي كذلك، حتى ولو نال تأييد جميع المسيحيين. فمن يكون المحشور في زاوية التموضع الطائفي والفئوي إذًا؟ وكيف لمن يتبجح بأن خطته تطوق الآخر أن يتعامى عن أنه في الحقيقة يطوق نفسَه، في استعادة جديدة لتجارب سابقة، أدت بالوطن إلى ما أدت إليه؟
لكن أغرب ما في الأمر أن يخرج هؤلاء الزعماء، كل من موقع وشاشة، ليعلنوا للبنانيين والعالم، أنهم “تقاطعوا لقطع الطريق”. فهنيئًا لهم دور المقاطعجية وقطاع الطرق الذي ارتضوه لأنفسهم. ويا وطني اغفر لهم لأنهم يدرون ماذا يفعلون.

الكاتب: المحامي طنوس فرنجية​
1


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal