لبنان إلى أين سياسيًّا واقتصاديًّا في مطلع العام ٢٠٢٣؟ (الجزء 15).. الوزير السابق للخارجية الدكتور عدنان منصور: الوضع ميؤوس منه مع هكذا طبقة حاكمة والمطلوب رئيس قويّ وقادر على الإصلاح..

حمود:

 

لم يشهد لبنان أزمة سياسية عاصفة وخطرة كالتي يشهدها منذ ثلاث سنوات. فمنذ انطلاق حَراك ١٧ تشرين الأوّل ٢٠١٩ ولبنان يتخبّط سياسيًّا واقتصاديًّا وماليًّا ونقديًّا واجتماعيًّا. وقد كانت شرارة الحَراك الذي انطلق في البداية بشعارات مطلبية محقة، بمطالب أيّدتها شريحة واسعة من اللبنانيين، وكانت منطقية وهادفة بسبب استمرار الغدر والفساد والسياسات الاقتصادية والمالية الريعية الكارثية التي اتّبعتها السلطة خلال ال٣٥ سنة الماضية، والتي أدّت إلى ما أدّت إليه من نكبات على الاقتصاد اللبناني وانهيار القطاع المالي والمصرفي والنقد اللبناني وما إلى ذلك. وقد حاولنا في هذا الملف الذي سعينا من خلاله لاستشراف آراء بعض النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية والمالية والحقوقية والفكرية والثقافية؛ أن نتعرّف إلى أين يذهب لبنان في مطلع العام ٢٠٢٣؛ ويا لَلْأسفِ الشديد! كانت أجوبة مختلف الصديقات والأصدقاء، الذين أخذنا آراءهم وتقييمهم لمسارات الأمور، أن لبنان ذاهب إلى جحيم أعظم من الجحيم الذي هو فيه حاليًّا؟! وأن ما ينتظرنا أخطر وأبشع بكثير ممَّا نحن فيه حاليًّا! 

وهذه الأخبار ليست سارّة أبدًا، ولقد نشرنا حتى اليوم آراء ١٤ صديقةً وصديقًا من النُخب المُخضرمة من مختلف الاختصاصات والتوجّهات السياسية، وهم أجمعوا بمعظمهم أننا سنعيش هذا العام في امتدادات ذات المآسي والمعاناة على كل الصعد، وأن أفق الحلول مسدود حتى تاريخ اليوم، وأن الآتي قد يكون أعظم؛ لأن الطغمة من الطبقة الحاكمة والفاسدة والنتنة، التي لا نعرف كيف نصفها، لا تزال مُمسكة بمفاصل الحكم وهي تتخلّص من كل ما يعيق طريقها، وتستكمل مسيرتها في القضاء على اللبنانيين حتى آخر مواطن لبناني، عبر تجويعهم وإفقارهم وإذلالهم بشتّى الوسائل والطرق، أو عبر تهجيرهم أو تشريدهم في كامل أصقاع المعمورة.

نستكمل اليوم مشورانا في الاستماع للآراء النيّرة والحكيمة، ونبقى مع المداخلة القيّمة للصديق الدكتور عدنان منصور وزير الخارجية اللبنانية السابق. وهو صاحب الباع الطويل والتجرِبة السياسية العريقة، والذي شاركنا منذ إطلاق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود في العديد من اللقاءات والنشاطات السابقة وفي عدة اجتماعات تأسيسية وتشاورية حول العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والمعيشية. وقد حدّثنا الوزير منصور في مطالعته الدسمة، المختصرة والمُعبّرة جدًّا في الوقت ذاته عن أزمة لبنان ومعاناته الكبيرة مع طبقته الحاكمة الفاسدة. ولمن لا يعرفون الوزير منصور فهو بشكلٍ موجزٍ جدًّا من مواليد برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية في العام ١٩٤٦. دبلوماسي وسياسي لبناني مخضرم تولّى وزارة الخارجية في لبنان منذ العام ٢٠١١ حتى العام ٢٠١٤ في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية. هو مجاز في العلوم السياسية والإدارية في الجامعة اليسوعية، حائز على ماجستير في النظرية السياسية، ودكتوراه في العلوم السياسية. التحق بالسلك الدبلوماسي بموجب مباراة عام ١٩٧٤. تنقل في مديرية الشؤون السياسية، والقنصلية، ومديرية الشؤون الاقتصادية، ومديرية المنظمات الدَّولية، في وزارة الخارجية اللبنانية من ٧٤ حتى ٧٧. كما تولى منصب قائم بأعمال السفارة وقنصلٍ في السودان ، وغيرها من المناصب الديبلوماسية في عدة دول في مصر، واليونان، وأستراليا والكونغو وإيران، وبلجيكا والولكسمبورغ، والاتحاد الأوروبي، ومنسق لبنان في الاتحاد من أجل الأوسط. وقد شارك في عشرات المؤتمرات الدَّولية. وكانت له مواقف مُشرّفة جدًّا إزاء الحرب في سورية، وفي جامعة الدول العربية، حيث دافع بكل قوة عن سورية وعن بقائها في هذه المؤسسة حين حاول بعضهم إبعادها بكل الطرق، وشُنّت عليه، بسبب ذلك، حملة واسعة من بعض الإعلام العربي واللبناني المأجور، خاصة أنه لم يتنازل أو يساوم أبدًا طَوال مسيرته الديبلوماسية والسياسية عن كل مواقفه الوطنية والقومية الداعمة لكل قضايانا المُحقّة، وفي مقُدّمتها قضية فلسطين وغيرها من القضايا العربية العادلة. وفي هذا المجال، له عدة كتب منها: الدولة اليهودية، الاستمرارية المستحيلة.

 الجامعة العربية وسورية، دور باطل ومال قاتل .

إيران، الدولة والثورة وآيات الله.

وكتابان قيد الإنجاز، – الولايات المتحدة والصين، حتمية الحرب الاقتصادية الساخنة.

– الدبلوماسية اللبنانية في خدمة من؟! بين طوائف الدولة ودولة الطوائف .

أترككم إذًا مع هذه المداخلة القيّمة المختصرة التي تختصر ببضعة أسطر خطورة ومأساة اللبنانيين وعمقَها مع هذه الطغمة المجرمة.

 منصور:

رأى د. منصور أن لا أمل للبنانيين في بناء دولة المواطنة بوجود نظام طائفي فاشل منذ عقود، فهو في خدمة طبقة شكلت داخلها “دولة عميقة” قبضت على مفاصل المؤسسات، وتحكّمت بها، مُتجاوزة الدستور والقضاء والقوانين، وجسّدت أبشع صور المُمارسات التي تحلَّل عبرها البلد بمقوماته ومؤسساته. وأكمل منصور أن القوى والهيئات السياسية لا ثقة في ما بينها، لذا لا يمكن حاليًّا تجاوز الأزمة في ظل وجود من يمسكون بقوَة على رقبة الوطن دون مُساءلة أو حساب. 

وأكمل، إنّ هذا العام لن يكون أفضل من سابقه؛ لأن المسار هو ذاته ولم يتغير ولا بشائر لهكذا تغيير، فساد واحتكار ونهب ومحاصصة وسرقة أموال الشعب، وتسييس للقضاء في كل الملفات، وهذا ما ظهر بشكلٍ جلي وخطِر في الأيام الأخيرة في ظل الانقسامات الكبيرة بين اللبنانيين حول ملف انفجار المرفأ، وفي ظل انقسام القضاء أيضًا بشكلٍ خطِر حول ملف التحقيقات مع حاكم مصرف لبنان وتعسّف المصارف وجرائمها، وحول كل ملفات الفساد المالي والنقدي في لبنان، وهذا ما منع ولم يسمح بمحاكمة أي فاسد أو مرتكب حتى تاريخ اليوم. وهذا النهج لن يتغيّر وسيبقى السمة الأساسية في الواقع اللبناني؛ فالطبقة الحاكمة هي طبقة فاسدة ولن تتخلّى عن نفوذها وسطوتها وصفقاتها، حيث إننا أصبحنا في وضع ميؤوس منه.

وبالنسبة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، فإن الموضوع وإن حصل من خلال تسوية فهو إن لم يمتلك قوّة الشخصية وحرية القرار والتصرّف في الحرب على الفساد، فلن يؤدّي إلى الإصلاح، بل إن استحالة ذلك تبدو أكثر واقعية في ظلّ المحاصصة والإقطاع على مختلف مناحيه.

من هنا يأتي دور اللبنانيين في التغيير، وإلا سنبقى نتخبّط في ما هو أسوأ من الأعوام السابقة، وختم الدكتور منصور: أن لا شيء سيتغيّر سياسيًّا واقتصاديًّا، ويا لَلْأَسفِ الشَّديد! ولا يصلح العطّار ما افسده الدهر..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal