الرّقص على حافّة الهاوية: تقليدٌ لبناني عريق!… عبد الكافي الصمد

أيّام قليلة وتنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون منتصف ليل 31 تشرين الأوّل الجاري، بعد أن يكون عون قد غادر قصر بعبدا قبل ظهر بعد غد الأحد، قبل 36 ساعة من نهاية هذه الولاية، من غير أن يتمكن المجلس النيابي من إنتخاب رئيس جديد برغم عقده 4 جلسات لهذه الغاية، ومن غير أن يتم التوصّل إلى تأليف حكومة جديدة كان كُلّف الرئيس نجيب ميقاتي في شهر حزيران الفائت تشكيلها، وما تزال مهمته تدور منذ ذلك الحين في حلقة مفرغة بسبب التجاذبات السّياسية.

خلال الأيّام القليلة المتبقية من نهاية العهد يأمل كثيرون وتجري تسريبات واسعة عن احتمال التوصّل إلى تفاهمات تؤدّي إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل الدّخول في فراغ رئاسي لا يعرف أحد متى ينتهي، ولا ماذا سيشهد من تداعيات خطيرة على مستقبل البلد، أو أن تؤدّي هذه التفاهمات، في حال تعذّر إنتخاب رئيس، إلى تأليف حكومة تملأ الفراغ، عوضاً عن الدّخول في متاهات وتجاذبات سياسيّة ودستورية.

الآمال التي يُعلّقها البعض على احتمال التوصّل إلى مخرج في اللحظات الأخيرة، يشبه ما جرت العادة على تسميته بـ”الرقص على حافّة الهاوية”، أيّ أن يغامر المرء ويخاطر بنفسه حتى آخر لحظة في أمر ما، فإمّا ينجح وإمّا يفشل، بالرغم أنه كان في الإمكان التوصّل إلى تفاهمات معينة طيلة الفترة السابقة، من غير جعل البلد يعيش فوق صفيح ساخن، وخوف منقطع النظير على المستقبل والمصير.

هذا المشهد من الرقص على حافّة الهاوية يعرفه اللبنانيون جيداً منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، عندما لم يتمكّن المجلس النيابي من انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس الأسبق أمين الجميل، الذي أقدم قبل نهاية ولايته بدقائق قليلة، في 22 أيلول عام 1988، على تسمية قائد الجيش حينها ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية كي تتولى ملء الفراغ الرئاسي إلى حين انتخاب رئيس جديد، ما تسبّب بانقسام في ظلّ وجود حكومتين تتنازعان الصلاحيات، حكومة عون وحكومة الرئيس سليم الحصّ التي تولّت تصريف الأعمال بعد اغتيال الرئيس رشيد كرامي في 1 حزيران 1987.

والمفارقة اليوم أنّه بعد 34 عاماً يقبل لبنان على فراغ رئاسي محتمل يكون ميشال عون حاضراً فيه، لكن بالعكس هذه المرّة، إذ بدلاً من تكليفه حينها رئاسة حكومة عسكرية لتملأ الفراغ وأثارت إنقساما حاداً، يغادر بعد أيّام قصر بعبدا تاركاً فراغاً رئاسياً خلفه، وفي ظلّ إنقسام سياسي لا يقلّ خطورة وحدّة عن الإنقسام الذي شهده البلد قبل أكثر من ثلاثة عقود ونيّف من الزمن.

ولأنّ الرقص على حافّة الهاوية تقليد لبناني عريق عرفه اللبنانيون في أكثر من إستحقاق رئاسي سابق، سواء في العام 1988، أو في عام 2007 بعد انتهاء ولاية الرئيس الأسبق إميل لحود، أو في العام 2016 بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، لا يبدو مستغرباً أن يعيد الزمن دورته هذه المرّة، على مسافة 4 أيّام من نهاية ولاية عون.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal