إستحقاق بعبدا الرئاسي.. سجال المكونات حول الخيارات والتوجهات (4)… صبحي عبد الوهاب

وضع اللبنانيون مهام قوات الطوارىء الدولية المؤقتة العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” منذ صدور القرار رقم 425 بتاريخ 19 آذار / مارس 1978 القاضي بإنشائها تحت مجهر الإنقسام السياسي لا سيما حينما صادق مجلس الأمن الدولي مؤخراً على تمديد مهام تلك القوات لمدة سنة وفقاً للقرار 2650 الصادر بتاريخ 31 آب / أغسطس 2022 وأكد على أن “اليونيفيل” لا ” تحتاج الى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للإضطلاع بالمهام الموكلة اليها، وأنه يسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل، ويدعو الأطراف الى ضمان حرية حركتها معرباً عن قلقه إزاء بعض التطورات على طول الخط الأزرق، ويشير الى التركيب الأخير للحاويات التي تقيّد وصول حفظة السلام الى أجزاء من الخط أو قدرتهم على رؤيته، كما يدين وجود أسلحة غير مصّرح بها تسيطر عليها “جماعات مسلحة” في منطقة عمليات “اليونيفل”. 

ومن الطبيعي أن يعلن حزب الله المعني الأول بالمقاومة إعتراضه على توسيع صلاحيات تلك القوات من خلال ما صرح به الوكيل الشرعي العام للسيد علي الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك إذ لوح بتصنيفها ضمن خانة “قوات الإحتلال” حيث تساءل في خطبة الجمعة في مدينة بعلبك بتاريخ 9 أيلول / سبتمبر 2022 قائلاً “أين هم المسوؤلون عن قرار مجلس الأمن بإعطاء القوات الدولية في الجنوب حرية الحركة؟ إن هذا التطور خطير يحوّل هذه القوات الى “قوات إحتلال” ودورها حماية العدو الإسرائيلي بتعقب الناس والمقاومة وان هذا القرار ليس سوى “مؤامرة خطيرة على لبنان” . وإعتبرت بدورها صحيفة “نداء الوطن” في عددها الصادر يوم السبت الواقع فيه 10 أيلول/ سبتمبر 2022 أن كلام الشيخ محمد يزبك ينذر بمحاذير أمنية ترفع من منسوب الصدام بين “الأهالي” والجنود “الأممين”،ولكن دون أن تدرك هذه الصحيفة أن الموقف الذي أعلن عنه حزب الله في المرحلة الراهنة بلسان الشيخ يزبك لم يكن عرضيا ولا حتى آنياً حيث سبق لمسؤول العلاقات الدولية في “حزب الله” نواف الموسوي منذ سنوات طوال أن أشار بشكل واضح لا لبس فيه وفي الصفحة “الخامسة عشرة” 15 من صحيفة الحياة اللندنية الصادرة يوم السبت الواقع فيه 4 شباط / فبراير 2006 “إننا في حزب الله لسنا معنيين بخط أزرق أو أخضر بل بأن مزارع شبعا لبنانية ونحن ملتزمون تحريرها”. 

ومن ثم دخل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان على خط الهجوم على القوات الدولية فرحب فيها “بوظيفة قوات سلام لا قوات إحتلال” وحذر من “اللعب بالنار في منطقة جنوب الليطاني أمر مكلف جداً” والمحسوم عند المفتي قبلان هو أنه لا “عمليات لـ”اليونيفيل” بشكل مستقل ولا عمل لها من دون إذن مسبق”. 

وأدلى “لقاء سيدة الجبل” بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر 2022 بدلوه إذ حمّل “حزب الله” مسؤولية أي تصعيد أمني في الجنوب فرأى اللقاء أن حزب الله يضع مرة جديدة لبنان على فالق التوتر الإقليمي والداخلي من خلال الإعتراض على القرار 2650 القاضي بتجديد مهمات قوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان الى حد وصفها بأنها قوات إحتلال”.  

وإزاء السجال الذي رافق قرار مجلس الأمن نهاية آب/ أغسطس 2022 القاضي بالتمديد سنة لــ”يونيفيل”، خصوصاً لناحية التركيز على ما ورد فيه حول حرية تحرك هذه القوات ضمن نطاق عملها، أوضح مكتب الناطق الرسمي باسم الـ”يونيفيل” في بيان له رأى فيه “قدراً كبيراً من المعلومات الخاطئة والمضلّلة”. فلفت الإنتباه في المقابل إلى أنّه “لطالما كان لـ”اليونيفيل” تفويض للقيام بدوريات في منطقة عملياتها، مع أو بدون القوات المسلحة اللبنانية، ومع ذلك تستمر أنشطتنا، بما في ذلك الدوريات، بالتنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية، حتى عندما لا يرافقوننا”. 

وأضاف البيان: لقد “تمّ تأكيد حرية حركتنا في قرارات مجلس الأمن التي جددت ولاية “اليونيفيل”، بما في ذلك القرار 1701 في عام 2006، واتفاقية وضع القوات لـ”اليونيفيل” الموقعة في عام 1995″، وختم وهنا بيت القصيد: “نحن نعمل بشكل وثيق مع القوات المسلحة اللبنانية بشكل يومي، وهذا لم يتغير”، مجدداً التأكيد على أهمية مقاربة هذه “الحقائق المهمة”، مع التنبيه إلى ضرورة “عدم نشر معلومات غير صحيحة يمكن أن تزيد التوترات بين حفظة السلام والمجتمعات التي نحن هنا لمساعدتها”. ونعتقد أن الإجابة على بيان قوات الطوارىء الدولية قد جاء من الأمم المتحدة نفسها حينما أشارات غادة حلاوي على صفحات “نداء الوطن” بتاريخ 25 آب 2022 الى موافقة الأمم المتحدة على طلب إقتطاع مبلغ مليون دولار من ميزانية القوات المذكورة التي تبلغ 500 مليون دولار سنوياً، لدعم عناصر الجيش اللبناني المتواجدين في الجنوب دعماً لوجستياً، أي أدوية ومواد غذائية ومستلزمات طبية وغيرها. لكنّ مندوبي الصين وروسيا رفضا الموافقة إلا على مبلغ من 500 ألف دولار يقدم على مدى ستة أشهر بدل سنة. ومع توقف الدعم للجيش في الجنوب وحاجة الدولة الى مثل هذه المساعدة تُفعِّل وزارة الخارجية اتصالاتها في سبيل إعادة اعتماد آلية المساعدة تلك وأجرى وزير الخارجية عبد الله بو حبيب اتصالات بسفيري كل من الصين وروسيا المعتمدين لدى لبنان للطلب الى بلديهما تأييد الفقرة 11 من قرار التمديد لليونيفيل والتي تنص على دعم دوريات الجيش اللبناني العاملة في الجنوب لمدة سنة كاملة بالنفط والغاز والطبابة لتتمكن من القيام بدوريات مشتركة مع اليونيفيل. وليس مؤكداً بعد مدى التزام هاتين الدولتين التصويت لصالح دعم الجيش اللبناني من موازنة اليونيفيل. 

وأدان القرار 2650 “وجود أسلحة غير مصّرح بها تسيطر عليها “جماعات مسلحة” في منطقة عمليات “اليونيفل” ومن المفيد الإشارة في هذا السياق الى ان السمات القانونية لعملية حفظ السلام بانها “عملية تحفظية” conservatoire غير “قمعية” non coercitive تقوم بها منظمة الأمم المتحدة بموافقة الأطراف المعنية consensuelle لكي تكون تحفظية يجب أن “تسهل وقف الأعمال العدوانية أو المحافظة على هدنة أو على وقف لإطلاق النار وتخفيف حدة التوتر في المنطقة المعنية دون أن يقصد منها تغيير الوضع القائم القانوني أو السياسي أو البدء بتسوية النزاع الذي كان سبباً في وجودها. بل على العكس تماماً يجب أن تبقى بشكل مطلق عنصراً حيادياً على المستوى السياسي والقانوني. ويجب أن تبقى في معزل عن كل “الاوضاع التي ترتدي طابعاً داخلياً في الأساس ولا يمكن القبول… في أي حال من الأحوال، بأن تنغمس في “النزاعات الداخلية” وفقاً ما ذكره الدكتور سليم حداد في في الصفحات 87 و 88 من مؤلفه الاكاديمي قوات الامم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان المؤسسة الجامعية الطبعة الاولى 1981. واللافت في متن القرار 2650 وفي متن قرارات اخرى انه يتضمن إستخدام مصطلح “جماعات مسلحة” في منطقة عمليات “اليونيفل” وهذا المصطلح كثيراً ما تم إستخدامه أثناء وجود منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها في الساحة اللبنانية والجماعات الأخرى المتحالفة معها والمنضوية تحت لواء ما عرف بالحركة الوطنية اللبنانية آنذاك مما يصبح معه السؤال مشروعاً حول إغفال القرار الجديد الذي يجدد مهام قوات الطوارىء الدولية الإشارة صراحة ودون مواربة الى الطرف المعني أكثر من أية جهة لبنانية أخرى بالقرار ومندرجاته وتبعاته وهو “حزب الله” بالرغم من أنه يثسجل له حضوره الوازن في الحياة السياسية اللبنانية إذ له كتلة نيابية ويشارك في صناعة القرار السياسي اللبناني من خلال شراكته أيضاً في الحكومات اللبنانية والدور الذي يلعبه على المستوى الإقليمي. فالمسألة تثير الكثير من الشكوك المشروعة حول ما يرسم مستقبلاً لمنطقة جنوب لبنان في وقت يكثر الحديث عن ترسيم للحدود البحرية وربما في وقت لاحق للحدود البرية ولم يحظى “حزب الله” بمنظار مجلس الأمن بما حظيت به منظمة التحرير الفلسطينية من حق إشتراكها في إجتماعات مجلس الأمن ومناقشاته في القضايا المتعلقة بالمسألة الفلسطينية لا سيما حينما نصت “إتفاقية القاهرة” عام 1969 على تسهيل نشاط المقاومة ضد إسرائيل ووصفتها الأمم المتحدة وبعض باحثيها في القوانين الدولية أنها “ذريعة للحرب” Causus Belli يبقى إستخدام القرار لمصطلح الكتمان في الكشف عن هوية “الجماعات المسلحة” خاضعاً لكثير من التأويلات ربما لا يقبلها مجلس الامن الدولي، ولا يتسامح معها. اما السجال حول القرارات الدولية المتعلقة بالاوضاع اللبنانية ومراميها فلها أحاديث اخرى.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal