دوافع ومحركات النزاع الإيديولوجي في الحرب الروسية الأوكرانية (4)… صبحي عبد الوهاب

لم ينفك الرئيس بايدن يردد “ليس لدينا أي مصلحة في شن حرب”، مؤكدا على أن بوتين من جانبه لن يقوم بأي تحرك. ولم ينفك يردد ايضاً أنه لن يغزو أوكرانيا. ولم ينفك يردد مراراً وتكراراً أن القوات الروسية متواجدة عند الحدود لأغراض “التدريب” وقد بلغ تعداد القوات الروسية الـ180 ألفا.في الحقيقة إنها المثال لأحد أقدم الاندفاعات البشرية، ألا وهي استخدام القوة الغاشمة والمعلومات المضللة لإشباع الرغبة المطلقة في السلطة والسيطرة. وأن ما يحصل ليس أقل ما يقال به أنه تحد مباشر للنظام الدولي القائم على القواعد والذي تم إنشاؤه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتهديد بالعودة الى عقود من الحرب التي دمرت أوروبا قبل وضع النظام الدولي القائم على القواعد. ولا يمكننا العودة إلى تلك الحقبة ومن المستحيل العودة اليها بكل تأكيد.

وهذه الخطورة الكامنة في التهديد هي الحافز في رد الغرب السريع والقوي جدا والموحد جدا وغير المسبوق والساحق الذي ترافق مع التكاليف السريعة والعقوبات لإلحاق الضرر بالإقتصاد الروسي في غضون أيام من الغزو وهي التحركات الوحيدة التي يعتقد بايدن أنها ستحمل روسيا على تغير مسارها. لقد الولايات المتحدة بشكل مشترك مع العقوبات وبات البنك المركزي الروسي محظورا في الأنظمة المالية العالمية، مما يحرم الكرملين من الوصول إلى أموال الحرب التي خبأها في مختلف أنحاء العالم. لقد تم إستهداف قلب الاقتصاد الروسي من خلال وقف واردات الطاقة الروسية إلى الولايات المتحدة. كما فرضت الإدارة الاميركية عقوبات على 140 فرد من الأوليغارشيين الروس وأفراد أسرهم حتى الآن وصادرت مكاسبهم غير المشروعة، أي يخوتهم وشققهم الفاخرة وقصورهم. وعقوبات طالت أكثر من 400 مسؤول حكومي روسي، بما في ذلك المهندسين الرئيسيين لهذه الحرب. لقد حصد هؤلاء المسؤولون والأوليغارشيون مكاسب هائلة من الفساد المرتبط بالكرملين، وعليهم أن يشاركوه الفترة العصيبة الآن. ويتحرك القطاع الخاص أيضا، إذ انسحبت أكثر من 400 شركة خاصة متعددة الجنسيات من ممارسة الأعمال التجارية في روسيا وغادرت روسيا تماما، بدءا من شركات النفط وصولا إلى ماكدونالدز. ونتيجة لهذه العقوبات غير المسبوقة، انهار الروبل على الفور. والاقتصاد الروسي… هذا صحيح بالمناسبة. بات حوالى 200 روبل لا يساوي أكثر من دولار واحد. والاقتصاد في طريقه ليصبح معدل النصف في السنوات القادمة. تم تصنيفه… كان الاقتصاد الروسي يحتل المرتبة 11 بين أكبر الاقتصادات في العالم قبل هذا الغزو، ولن يتم تصنيفه بين أفضل 20 اقتصاد في العالم حتى بعد فترة صغيرة. وبالتالي ليست تصرفات روسيا في أوكرانيا وحدها التي تذكرنا بالبركة التي تنشرها الديمقراطية. في بلدههم… يسجن الكرملين المتظاهرين. تشير التقارير إلى مغادرة 200 ألف شخص روسيا. تشهد روسيا هجرة أدمغة. تغلق قنوات الأخبار المستقلة. باتت وسائل الإعلام الحكومية مجرد بروباغندا تحجب صورة الأهداف المدنية والمقابر الجماعية وتكتيكات التجويع التي تمارسها القوات الروسية في أوكرانيا.

ويتساءل بايدن هل من المستغرب أن يغادر 200 ألف روسي بلادهم في شهر واحد؟ هجرة أدمغة مذهلة في مثل هذه الفترة القصيرة، ولكن التاريخ يظهر مرارا وتكرارا أن أعظم التقدم المحرز يلي أحلك اللحظات. ويظهر التاريخ أن هذه مهمة هذا العصر، مهمة هذا الجيل.

ولكن بالرغم من كل شيء يدعونا بايدن لنتذكر ضربة المطرقة التي أسقطت جدار برلين والقوة التي رفعت الستار الحديدي. لم يكن ذلك نتاج كلمات قائد واحد، بل كانت شعوب أوروبا هي التي قاتلت لعقود من أجل تحرير نفسها.

فتحت شجاعتهم المطلقة الحدود بين النمسا والمجر للنزهة عبر الأوروبية. ضموا أيديهم لتحقيق طريق البلطيق. ناصروا التضامن هنا في بولندا. وشكلوا معا قوة لا لبس فيها ولا يمكن إنكارها من الناس ولم يستطع الاتحاد السوفيتي تحملها.

ونحن نشهد ذلك مرة أخرى اليوم مع الشعب الأوكراني الشجاع، الذي يظهر أن القوة التي يتمتع بها كثيرون أكبر من إرادة أي ديكتاتور واحد. لن يكون ذلك سهلا وستترتب عليه تكاليف. ولكن ينبغي أن ندفع هذا الثمن، لأن الظلام الذي يقود الاستبداد لا يضاهي في النهاية شعلة الحرية التي تنير أرواح الأحرار في كل مكان. ويدعو بايدن لمعاودت التفكير في المرحلة الراهنة في كلمات البابا يوحنا بولس الثاني: ” لا تفقدوا الأمل يوما، لا تشككوا يوما، لا تتعبوا، لا تفقدوا عزيمتك يوما. لا تخافوا”. إن الديكتاتور المصمم على إعادة بناء إمبراطورية لن يتمكن يوما من محو حب الشعب للحرية. لن تقضي الوحشية على إرادتهم في التحرر. لن تمثل أوكرانيا يوما انتصارا لروسيا، فالأحرار يرفضون العيش في عالم يسوده اليأس والظلام. سيكون مستقبلنا مختلف… سيكون مستقبلا أكثر إشراقا متجذرا في الديمقراطية والمبادئ، والأمل والنور، والاحترام والكرامة، والحرية والإمكانيات.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal