ما هي الشرارة الأولى التي حددت الساعة صفر للحرب الروسية ـ الأوكرانية؟… ماري لين العلي

منذ صباح يوم الخميس، بدأ الجيش الروسي تنفيذ عمليات عسكرية ضد أوكرانيا في محاولة للقضاء على “التهديدات الخطيرة” كما وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

الحرب الروسية التي تحاول نزع السلاح الاوكراني و”الفكر النازي” (كما سماها) يستهدف بقوة المراكز العسكرية الأوكرانية على امتداد البلاد والمواقع الاستراتيجية، حيث اقترب الجيش الروسي من العاصمة كييف وكثف هجماته برًّا وبحرًا وجوًّا على أمل السيطرة على البلاد، وفي جو دولي اعتبره الأوكرانيون متخاذلا تخلى من خلاله الغرب عن دولتهم وتركوهم يواجهون الروس بمفردهم. سارعت الولايات المتحدة الأميركية الى إعلان عدم نيتها التدخل عسكريًّا، واقتصر تصرفها على فرض عقوبات عالية ومؤذية على روسيا والرئيس بوتين بالتعاون مع حلفائها في حلف الناتو، فتركت أوكرانيا تواجه روسيا وحيدة عسكريًّا، مع محاولات دولية لايقاف العدوان عن طريق الضغط اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا على روسيا. 

يأتي هذا العدوان بعد سلسلة أحداث متسارعة عالميًّا، منها مفاوضات دخول أوكرانيا حلف الناتو والذي يعتبره الروس خطًا أحمر يشكل تهديدًا مباشر على أمنهم القومي، وبعد إرتفاع تصريحات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها المهددة في حال حصول غزو روسي لأوكرانيا. 

الشرارة الأولى التي حددت ساعة الصفر برأي الخبراء كانت إنزال العقوبات على خط الغاز “نورد ستريم 2” وإعلان السلطات الألمانية وقف العمل به. 

هذا الخط هو خط الغاز البحري المباشر من روسيا إلى ألمانيا، يصل مباشرةً دون الحاجة للمرور بدول العبور؛ أي أوكرانيا وبيلاروسيا وغيرها من دول شرق أوروبا.

يشكل هذا الخط آمالا كبيرة خصوصًا للروس إذ من المخطط أن ينقل حوالي 55 مليار مترا مكعبا من الغاز إلى ألمانيا ومنها إلى الدول الأوروبية الأخرى.

يسمح بذلك مضاعفة أرباح الروس بسهولة وتوسيع هيمنتهم على قطاع الغاز في أوروبا خاصةً بعد التوجه العالمي إلى الغاز والاعتماد الكبير اقتصاديًا وحياتيًا عليه في أوساط أوروبا. وقد بلغت تكلفته حوالي 11 مليار دولار، وانتهت أعمال تنفيذه العام الماضي لكن التصديق الألماني عليه علق بسبب الضغوطات الكبيرة ورفض الولايات المتحدة والغرب له على اعتبار أنه يعزز من موقع روسيا في أوروبا ويزيد من الاعتماد الأوروبي على مصادر الطاقة من روسيا. 

لا شك في أن الهجوم الروسي، كان بمثابة تثبيت لموقع روسيا العالمي، ورفضًا للخضوع لأية ضغوطات غربية تهدد مكانة روسيا في العالم، وبشكل أساسي لتأمين حدودها من أخطار الناتو والمواقع الاستراتيجية التي يمكن أن يكتسبها في حال تحالفه مع أوكرانيا، ولتأمين هيمنتها وسيطرتها الكاملة على السياسة والقرارت الأوكرانية.

يبقى الشعب الأوكراني الخاسر الأكبر، اذ يشرب من لعنة وقوع بلدهم في موقع حساس بين روسيا وأوروبا مباشرةً، وضمن منطقة جيو- سياسية متنازع عليها. وفي صراع العملاقين، تدفع اوكرانيا الأثمان على الجهتين بعد أن وجدت نفسها وحيدة. 

يبقى السؤال، الى أي مدى سوف يبقى هذا الصراع قائمًا، وكيف سيؤثر على شكل النظام العالمي في المستقبل؟..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal