إرهاصات حرب أهلية أم إنهيار شامل؟… عبد الكافي الصمد

كثرت في الأشهر الأخيرة، وتحديداً بعد اندلاع شرارة الحَراك الشّعبي في 17 تشرين الأوّل من عام 2019، الحديث عن وقوف لبنان على أبواب حرب أهلية جديدة، كتلك الحرب الأهلية المشؤومة التي استمرّت 15 عاماً، بين عامي 1975 ـ 1990، وأكلت الأخضر واليابس في بلد الأرز، وأعادته عقوداً إلى الوراء، وتركت فيه إنقسامات لم تنتهِ تداعياتها بعد.

وذهب البعض إلى مقارنة الفترة التي سبقت الحرب الأهلية بتلك التي يعيشها لبنان هذه الأيّام، ورأى أنّها مشابهة في كثير من التفاصيل، وفي الشّكل والمضمون، وأنّ مقدمات الحرب الأهلية السّابقة تبدو متوافرة هذه الأيّام كما لم تكن متوافرة من قبل، أيّ أنّ ما تحتاجه أيّ حرب أهلية جديدة لتندلع ليس سوى شرارة صغيرة يمكن أن تشتعل في أيّ نقطة لبنانية ساخنة.

هذه الأجواء المشابهة بين مقدمات الحرب الأهلية السّابقة ومقدمات حرب أهلية جديدة يتوجّس كثيرون منها وتتمثل في نقاط كثيرة، إنطلاقاً من الإنقسامات الداخلية الحادّة إلى التدخّلات الخارجية من كلّ حدب وصوب، إلى الخطاب الطائفي والمذهبي، إلى أزمة إقتصادية ومالية أوصلت البلد إلى إنهيار غير مسبوق، يتجاوز الإنهيار المالي الذي شهده لبنان أواخر ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي.

وترافق كلّ ذلك مع تحلّل وانهيار مؤسّسات الدولة، التي باتت شبه هياكل أبنية لا تمتّ إلى مؤسّسات الدولة بِصلة، بعدما فقدت على نحو تدريجي مقوماتها الأساسية والحيوية التي تجعلها تعمل بشكل طبيعي، مثل مؤسّسات الكهرباء والإتصالات ووزارات المال والأشغال والطاقة والصحّة والتربية والشّؤون الإجتماعية وغيرها، وزاد الطين بِلة ما تشهده إدارات ومؤسّسات الدولة من غياب الموظفين عن مكاتبهم بسبب الأزمة المالية وتدهور قيمة الليرة اللبنانية، ما جعل رواتب الموظفين تكفي بالكاد تكلفة بدل تنقلاتهم، وصولاً إلى فقدان هذه المؤسّسات الحدّ الأدنى من مقومات صمودها وبقائها وعملها بشكل طبيعي.

وزاد الوضع تفاقماً ما شهدته السنتين الأخيرتين من إنفلات من قطع طرقات وإغلاق مؤسّسات حكومية بالقوة، والتعرّض لها وتخريبها، وانغلاق المناطق على بعضها نتيجة إشكالات متنقلة، وانتشار مسلح في مختلف المناطق أعاد مشاهد الحرب الأهلية السّابقة إلى الحياة مجدّداً، وسقوط جرحى وضحايا، وبلغ الامر ذروته في 14 تشرين الثاني الماضي في الأحداث المسلّحة والدامية التي شهدتها مستديرة الطيّونة بين منطقتي عين الرّمانة والشيّاح، وأحيت هواجس ومخاوف قديمة، ونبشت معها ذكريات سوداء تعود إلى أيّام الحرب الأهلية التي اندلعت شرارتها في 13 نيسان 1975، وفي منطقة عين الرّمانة على وجه التحديد.

وبلغت المخاوف ذروتها من الإشكالات اليومية التي تشهدها مختلف المناطق اللبنانية، بلا استثناء، يظهر فيها السّلاح بشكل مخيف، تبدو فيها البلاد وكأنّها غابة سائبة بلا أيّ قوانين أو شرائع تحكمها، وبلا أيّ وازع أخلاقي أو ديني أو قانوني، ما يجعل البلد يقف على فوهة بركان إنفجار إجتماعي قد يطيح بكل شيىء في البلد إذا لم تحصل معجزة لإنقاذ البلد، قبل حصول الإرتطام الكبير وانهيار البلد على نحو شامل.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal