السعودية ليست عدوا.. وقرداحي ليس صلاح الدين!!… غسان ريفي

يصف أحد مخضرمي السياسة اللبنانية المشهد اللبناني الحالي، كمن يسوق شعبا بكامله الى الذبح من دون أن يرف له جفن، بينما لا يحرك الشعب ساكنا وكأنه إرتضى بالمصير الذي كُتب له.

ربما لا أحد يصدق، بأن الشعب اللبناني الذي إنتفض وملأ الساحات والشوارع في 17 تشرين الأول 2019 بسبب زيادة ستة دولارات على المكالمات الهاتفية لتطبيق “واتساب”، هو نفسه اليوم الذي يستكين أمام إنعدام مقومات العيش الكريم وجنون سعر صرف الدولار وإمتداد الفقر والجوع أفقيا، ثم يصمت على المغامرات التي تخوضها بعض التيارات السياسية التي قد تصل بالبلاد والعباد الى الهلاك.

لا شك في أن الواقع اللبناني المتردي وربما المأسوي، من المفترض أن يلزم الجميع بإيجاد مخارج للأزمة المتعددة الأوجه، خصوصا أن أحدا لم يعد يمتلك ترف الوقت، فيما هامش المناورة يضيق جدا مع الفرز الحاصل، وبالتالي فإن الأمر يحتاج الى مقاربة سياسية متقدمة تنطلق من مسؤولية وطنية وتعمل على فصل الملفات عن العمل الحكومي وتبدأ بمعالجتها بحسب الأولويات بدءا من الغضب السعودي الناتج عن تصريحات جورج قرداحي، مرورا بأزمة القاضي طارق البيطار، وصولا الى أحداث الطيونة التي أعطت نموذجا عما يمكن أن يكون عليه وضع الشارع اللبناني في حال تفلتت الأمور من عقالها وقدمت الحكومة إستقالتها ودخل البلد في مرحلة الارتطام المدمر والفوضى الشاملة.

لذلك، فإن حالات التشنج والتعنت ورفع السقوف والمكابرة والتهديد والوعيد، إضافة الى التعطيل وتحميل الحكومة أكثر مما تحتمل وزجها في قضايا لا صلاحية لها فيها، كل ذلك يبقى صغيرا جدا أمام المخاطر الكبرى التي تنتظر البلاد في حال لم يصر الى التوافق على مخارج تنقذ الوضع الذي يزداد تأزما يوما بعد يوم.

وفي هذا الاطار تستغرب مصادر سياسية مواكبة، التوتر غير المسبوق من بعض الجهات حيال الأزمة السعودية، والتعاطي معها بهذه الصلابة التي من شأنها الاضرار بمصالح اللبنانيين مقيمين ومنتشرين في دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا أن السعودية ليست عدوا ولا يمكن تصنيفها كذلك، بل هي الشقيقة الكبرى للبنان ولها معه صولات وجولات في الدعم والمساندة والمساعدة في مختلف المجالات، وبالتالي لا يجوز التعامل معها بهذا النكران من أي مكون لبناني كان ومهما بلغت الخلافات، وذلك حرصا على هذه العلاقات التي تصب في مصلحة كل اللبنانيين بكل توجهاتهم وطوائفهم ومذاهبهم.

وتؤكد المصادر نفسها، أن جورج قرداحي ليس “صلاح الدين” لكي تقاتل بعض الجهات السياسية بهذه الشراسة من أجل الدفاع عنه، وتحوله الى رمز تواجه فيه دولا شقيقة وتضحي بلبنان من أجل منصبه الوزاري، وتمنحه الغطاء لتحدي الدولة ومسؤوليها والسواد الأعظم من اللبنانيين الذين يريدون “حج خلاص” ويفتشون عن كرامتهم الوطنية في العيش الكريم وفي مواجهة البطالة والفقر والغلاء والجوع، وليس في الشعارات السياسية الفارغة التي “لا تسمن ولا تغني من إنقاذ”.

وتشير هذه المصادر الى أن المطلوب اليوم هو شيء من التوازن في مقاربة هذه الأزمة، بشكل يرضي المملكة ويفتح باب الحوار معها، ويؤمن الخروج اللائق لقرداحي، ويوفر الأجواء الملائمة لعمل حكومي يوقف الانهيار الحاصل، ويستكمل محاولات وضع لبنان على سكة التعافي.

يبدو واضحا من خلال التطورات، أن إنفصاما سياسيا حقيقيا يفرض نفسه اليوم، خصوصا أن الكل مقتنع بأن بقاء الحكومة ضرورة وطنية للانقاذ، فيما لا يتوانى البعض عن تعطيلها ومنعها من إستئناف إجتماعاتها، كما يضرب مساعي الانقاذ التي يتطلع اللبنانيون والمجتمع الدولي الى أن تكون دول الخليج جزءا أساسيا منها، لذلك لا بد من العودة الى لغة العقل والى المنطق والحكمة، وعدم التفريط بهذه الفرصة التاريخية المتمثلة بهذا الاحتضان الدولي الذي عززه الرئيس نجيب ميقاتي في غلاسكو، والتوجه سريعا نحو عمل مشترك بمسؤولية وطنية بعيدا عن المصالح الضيقة، خصوصا أن التاريخ يكتب وهو لن يرحم..


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal