الأوضاع تتدهور والجوع يطرق الأبواب… عبد الكافي الصمد

لم يكن رفع سعر صفيحة البنزين، أوّل من أمس الأربعاء، أكثر من 60 ألف ليرة لبنانية دفعة واحدة، ليرتفع سعرها إلى ما يناهز الـ300 ألف ليرة، الإرتفاع الأول من نوعه، ويبدو أنّه لن يكون الأخير، لكنّ الصدمة التي أحدثها هذا الإرتفاع شلّ البلاد بشكل تام، من أقصاها إلى أقصاها، وأنذر بأنّ الأيام المقبلة ستكون أكثر صعوبة وإيلاماً واختناقا على عموم المواطنين بلا استثناء.

وزاد الوضع صعوبة ليصبح كارثياً إرتفاع سعر صفيحة المازوت إلى أكثر من 270 ألف ليرة، وسعر قارورة الغاز إلى ما يناهز 260 ألف ليرة، ما جعل أسئلة كثيرة تطرح بين المواطنين، على اختلاف مناطقهم وطوائفهم حول مدى قدرتهم على مواجهة برد فصل الشتاء المقبل، بعدما أصبح الحدّ الأدنى للأجور، البالغ 675 ألف ليرة، بالكاد يساوي سعر صفيحة بنزين وقارورة غاز.

هذا الإنهيار غير المسبوق في قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وأصبح يفوق قدرة أغلب اللبنانيين على التحمّل، إنعكس سريعاً على أحوال المواطنين ومعيشتهم، وشلّ الحركة الإقتصادية في الأسواق التجارية، وحركة السير في الشّوارع وعلى الطرقات، وجعل المواطنين يسيرون في الشّوارع هائمين على وجوههم، حتى بات مشهد تحدّث المواطنين مع أنفسهم وهم يمشون في الشوارع لوحدهم، ويضربون كفّاً بكفّ، أمراً عادياً في بلد بات فيه كلّ شيء خارج المنطق والمعقول.

رفع أسعار المحروقات إنعكس إرتفاعاً في أسعار كلّ شيء. فالسّلع الأساسية إرتفعت بلا ضوابط من ربطة الخبز إلى الحبوب والأجبان والألبان والخضار واللحوم والقهوة والشاي والملعبات بما لا يقل عن 30 في المئة، إضافة إلى ارتفاع أجور بدل النقل بالنسبة ذاتها، وهو إرتفاع دفع أغلب الموظفين إلى العزوف عن الذهاب إلى أعمالهم، والمواطنين إلى أشغالهم، كما بات يشكّل همّاً مؤرقاً لذوي الطلّاب في المدارس وفي الجامعات والمعاهد، بعدما وصل بدل النقل في الباصات والمدارس في الشهر إلى ما يفوق راتب موظف، ما دفع العديد من الطلاب إلى الإمتناع عن الذهاب إلى جامعاتهم منذ العام الدراسي الماضي، لأنّ أهلهم لا قدرة لهم على تحمّل هذه النفقات.

وتزامن كلّ هذا الإنهيار مع عودة مشاهد مواقد الحطب إلى المنازل في أحياء ضمن مدينة طرابلس، وليس في الأرياف والقرى حيث يتوافر الحطب بكثرة أكبر من توافره في المدن، واستخدامه من أجل طهي الطعام، ما بات يدل على حجم الفقر الذي وصل إليه اللبنانيون، الذين عادوا القهقرى إلى الوراء أكثر من مئة سنة، وسط إنطباعات توحي أنّ المعاناة والأزمة لن تنتهي قريباً وأنّها في طريقها للتفاقم أكثر في الأشهر المقبلة مع قدوم فصل الشتاء.

كلّ ذلك يحصل والدولة لا تقوم بأيّ شيء، بل تكتفي بالتفرّج على انهيار المجتمع بكل أشكاله، والدولة بكل مظاهرها، وهي التي يفترض أن تكون ناظمة لكل هذه الأمور، بل تقوم بترك الأوضاع تتدهور أكثر، من غير أن تعالج المشاكل أو توقف الإنهيار، الذي إذا بقي يسير على المنوال نفسه فإنّه سيجرف في طريقه كلّ شيء.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal