في خضمّ الكوارث الداهمة والمتتالية.. المطلوب تفعيل ″وحدة إدارة مخاطر الكوارث″… بقلم : عبد القادر روحي علم الدين

في مأثورنا الشعبي: ″أسمع كلامك يعجبني ″ أرى أفعالك أتعجّب!”، وهو ما ينطبق على غالبية مؤسساتنا العامة ومرافقنا الخدمية، وفي عِدادِها “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” .

 

وإذا كنا نركِّزُ في هذا المقال، على هذه الهيئة، ذات الطبيعة الإغاثي وجَبْهِ المخاطر والتوعية عليها، فلأننا اليوم، كلبنانيين أحْوَجُ ما نكون إلى الدور الذي ينبغي أن تؤدّيه، وقد بتنا في قلب جهنّم، التي ُُبشّرنا بها!

 

إشارةٌ إلى أن “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” أُنشئت تلافياً لمشكل طائفي، بعدما حالت الخلافات بين النواب دون إقرار اقتراح قانون “هيئة إدارة مخاطر الكوارث”، في اللجان النيابية المشتركة . فالمادة الثامنة من هذا الاقتراح شكَّلت اللغم الذي فجّر مشروع القانون، ذلك أن الهيئة العتيدة كانت ستغدو الجهة الرسمية الوحيدة المعتمدة لكل أعمال الكوارث والإنقاذ، بما يعني إلغاء جميع اللجان والمديريات، التي أُنشئت في السابق لهذا الهدف، وفي مقدّمها “الهيئة العليا للإغاثة” “والمديرية العامة للدفاع المدني”، بحيث تنتقل إلى “الوحدة” جميع مهماتهما وأعمالهما وموجوداتهما العينية والمالية والبشرية.

 

وفي تقصٍّ للمهام المنوطة بـ”وحدة إدارة مخاطر الكوارث”، التي أُنشئت في العام 2015، يتبيّن أنها الجهة الوطنية الوحيدة المعنية بجميع مراحل الحدّ من مخاطر الكوارث، من وقاية واستعداد واستجابة وتعافٍ من الكوارث .وهي قد وُجدت لتعزيز قُدُرات الحكومة اللبنانية في الحدّ من مخاطر الكوارث، وذلك بالشراكة ما بين هذه الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي .

 

وفي سلسلة المهام الواسعة العائدة إليها، فهي تعمل باستمرار على وضع خطط العمل التنفيذية، وتحديث وتطوير خطط الطوارئ لمواجهة الكوارث، وإعداد المعايير الوطنية لقياس التقدّم المُحرز في مجالات الحدّ من مخاطر الكوارث في لبنان، بناءً على التزامات لبنان بالمعاهدات الدولية . كما تعمل على تطوير وتحسين أنظمة الإنذار المبكِّر، على الصعيدين الوطني والمحلّي. وتقوم “الوحدة” أيضاً بتنسيق الدراسات لتحديد أنواع المخاطر ووضع خطط احترازية للحدّ منها . إضافةً إلى القيام بزيادة الوعي وبناء القُدُرات على الصعيد المحلي، من خلال حملات التوعية، وورش العمل في المدارس والبلديات، وفي مختلف المحافظات اللبنانية. 

وبهدف شمولية عمل “الوحدة”، وتغطيتها جميع المناطق، تم إنشاء غُرف عمليات في كل محافظة من محافظات لبنان، إضافةً إلى إقامة علاقات تنسيقية مع وزارات: التنمية للشؤون الإدارية، والصحة، والزراعة، والأشغال العامة والنقل، والتربية، والخارجية والمالية . 

وترتبط الغُرف في المحافظات بغرفة العمليات الوطنية، في مقر رئاسة مجلس الوزراء، عبر شبكة الكترونية، ذلك أن “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” تابعة مباشرةً لرئاسة الوزراء .

 

في عودة إلى خلفيّات تشكيل هذه “الوحدة”، فهي تمثّل هيئة “ممسوخة” عن “هيئة إدارة مخاطر الكوارث”، التي تمّ إجهاضُها قبل أن تُولَد. من هنا، فهي تُعاني عطباً بُنيويًا، مما إِنعكس سلبًا على قيامها بتلك المهام التي سردنا بعضاً منها، ولتبقى هذه المهام الواسعة حبرًا على ورق. وثمة العديد من المحطات التي تُثبت فشل هذه الوحدة على مسرح الكوارث التي حلّت بلبنان، على مدى السنوات الست الماضية. فعلى سبيل المثال، ما شهده لبنان شتاء 2019 مع العاصفة “نورما” ، التي عرّت هذه الوحدة، وعرّت عبرها نظامنا، بكل وزاراته وأجهزته الإغاثية. فعلى مدى ثلاثة أيام، فاضت مجاري المياه، والصرف الصحي أغرق الشوارع، وسقطت جدران الدعم: إلخ … وقُلْ الأمر نفسه عن إنفجار مرفأ بيروت (4 آب 2020) الذي حصد 220 ضحية وآلاف الجرحى وتهديم بضعة آلاف من المساكن والمحلات . وكذلك الأمر أيضاً مع انفجار خزانات الوقود في التليل (عكار) الذي أودى بـ 33 ضحية، إلى عشرات المصابين بحروق خطرة.

 

لقد كشف انفجار بيروت المدمِّر هشاشة الوزارات والمؤسسات التي تكون في الدول المسؤولة وعلى استعداد لمثل حدث مماثل ومواجهته مهما كان حجمهُ.

 

تأسيساً على ما سبق، فإن المطلوب إعادة الاعتبار إلى مشروع قانون “هيئة إدارة مخاطر الكوارث”، فيتم إقراره، بالسرعة اللازمة، في المجلس النيابي، سيما أن لبنان الذي يعيش راهناً أزمة مصيرية وجودية، لم يعرف مثيلاً لها في تاريخه الحديث، مُقدِمٌ على أوضاع خطرة، قد تحمل معها الكثير من الكوارث، مما يستدعي وجود هيئة تتوحد عندها جميع إمكانات الهيئات الإغاثية القائمة، على أن يتم تزويد هذه الهيئة لوجستيا، وبما يؤهلها لمواجهة مختلف أنواع الكوارث المرتقبة. 

أما إذا كان من المتعذِّر الوصول إلى قيام “الهيئة” نتيجة الصراعات القائمة بين الكتل النيابية، فعلى الحكومة تعزيز ما هو قائم حالياً، أي توفير كل السُبُل كي تستطيع “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” الوفاء بالمهام المنوطة بها . وفي هذا السبيل لا بد من تعزيز الغُرف المُنشأة في المحافظات، من قِبل هذه “الوحدة، لا سيما في طرابلس (الشمال) وفي عكار ، وفي البقاع، حيث النقص الفادح في المعدّات والآليات والمواد المختصة بإطفاء الحرائق . وقد جاء الحريق الهائل مؤخرًا في غابات عكار الدهرية ، والذي امتد إلى البقاع ليؤشِّر على ما تُعانيه المناطق الأطراف، لجهة عدم القدرة على مواجهة الكوارث، لا سيما الطبيعية منها. علماً أن ثمة مساعدات وهبات تتدفق على العديد من الإدارات العامة والمصالح المستقلة، لا توظف في مكانها الصحيح، وكان الأجدى لو تم تحويل وجهتها إلى “وحدة إدارة مخاطر الكوارث”، بما يجعلها قادرة على الوفاء بالمهام المطلوبة منها.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal